هذا المشروع الرامي إلى إصلاح المرسوم عدد 88لسنة 2011 المؤرخ في 24سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات والذي تم تسريبه مؤخرًا، يعكس على ما يبدو عزم السلطات التونسية على تجهيز نفسها بالأدوات القانونية اللازمة لفرض الرقابة على المجتمع المدني بهدف تكميمه في نهاية المطاف، لا سيما وأن هذا ما يحدث في الوقت الحالي في ظل مناخ يشهد تصاعد الهجمات ضد المدافعين عن حقوق الإنسانفي البلاد وغياب أي حوار بين السلطات القائمة والجهات الفاعلة في المجتمع المدني.
بداية، فان هذا المشروع يشترط إنشاء جمعية بتدخل من الإدارة مما يقوض حرية تكوين الجمعيات، بينما في التشريع الحالي يتم تشكيل الجمعية بصفة قانونية بمجرد إرسال إعلان التأسيس إلى الكتابة العامة للحكومة حسب مشروع المرسوم (تحديدا الفصل 12 منه)، فيكون هذا الوجود القانوني حينئذ مشروطًا بنشر إعلان التأسيس بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية. غير أن العديد من الجمعيات كشفت في واقع الأمر عن تأخير كبير في نشر هذا الإعلان إلى ما بعد المواعيد النهائية القانونية والتي سيكون لها من الآن فصاعدًا تأثير على منع وجود الجمعية في حد ذاته. بالإضافة إلى ذلك، كي يتسنى لمؤسسي الجمعية نشر إعلان تأسيس جمعيتهم بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، فانه يتعين عليهم تقديم نسخة من القانون الأساسي موقعة من قبل الإدارة بينما في الوقت الحالي كل ما يحتاجون إليه هو تقديم وصل باستلام طلب الإنشاء.
من ناحية أخرى يمنح الفصل 10 من المرسوم الإدارة صلاحية رفض تشكيل جمعية،وحتى الآن ما يزال من السهل تشكيل أي جمعية، والأمر متروك للإدارة للّجوء الى القضاء بعد ذلك إذا ما اعتبرت مثلا أن مجال تدخّل الجمعية لا يتوافق مع حظر الخطاب الداعي إلى الكراهية أو التمييز على غرار المبادئ الأخرى المدرجة في الفصلين 3 و4 من التشريع الحالي. إن صلاحية رفض التأسيس -والتي كانت ممنوحة للإدارة فيما يخصّ تأسيس الجمعيات الدولية الراغبة بالنشاط بالدولة التونسية- ستمتد لتشمل الجمعيات الوطنيّة كذلك، علما أنه يمكن بطبيعة الحال الطعن في الرفض أمام المحكمة الإدارية. ومع ذلك، فإن التأخير المفرط في إصدار الأحكام حتى بالنسبة للإجراءات الإستعجاليّة (ثلاثة أشهر على الأقل لقرار إيقاف التنفيذ) يمكن أن يعيق حقّ الجمعيات في اللجوء إلى القضاء.
ومن بين الأحكام الأخرى الأكثر إثارة للقلق في المشروع نجد إدراج الفصل 4 المتعلّق بمنع الجمعيات من "تهديد وحدة الدولة أو نظامها الجمهوري والديمقراطي" حيث أنّ مفاهيم التهديد والاعتداء على أمن الدولة يمكن تأويلها بطريقة فضفاضة في تونس. كما أدّى إدراج هذا الحكم إلى إثارة مخاوف من إساءة الاستخدام في خضم مناخ سياسي يتسم بالتذرّع بالخطب الرنانة للخونة والاعداء الداخليينبهدف التشكيك في مصداقية الأصوات المعارضة. ويضيف الفصل 4 أنه يحظر على قيادات أي جمعية الترشح للانتخابات خلال السنوات الثلاث التي تسبق الموعد النهائي للانتخابات، وهو حظر مبالغ فيه وغير متناسب إذ يحرم قادة الجمعية من حقّهم الدستوري في الترشح للانتخابات.
كما ينص الفصل 10 من المشروع على أنه يجب ألا تكون أهداف وأنشطة الجمعية ضمن اختصاص الهيئات العامة أو خاضعة لنظام قانوني خاص يقع خارج نطاق المرسوم. فمن المرجح أن يفسح هذا الحكم الغامض للغاية المجال لتفسيرات واسعة النطاق وتعسفية مما يقيد بشكل كبير الحق في حرية تكوين الجمعيات.
يدرج فصل آخر مثير للقلق إجراءا لمراقبة التمويل الأجنبي للجمعيات حيث يحظر الفصل 35 من المشروع على الجمعيات قبول مساعدات أو هبات أو تبرعات أجنبية غير مرخصة من اللجنة التونسية للتحاليل المالية، أي أن هذه اللجنة التي تم إنشاؤها في عام 2015 بموجب قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال لديها القدرة على إصدار الموافقة والرأي المسبق بشأن أي تمويل أجنبي ينبع من حكومة أو مؤسسة أو جمعية. كما أن إصدار الترخيص لا يخضع لأي حد زمني وبالتالي فانه لا بد من تأطير هذا الإجراء الجديد بشكل واضح لضمان عدم استخدامه لإعاقة التمويل ومن ثم عمل الجمعيات ذات الأنشطة أو الآراء التي تتعارض مع السلطات العامة.
بالإضافة إلى الإنهاء الطوعي والإنهاء القضائي، ينص المشروع على شكل جديد لحلّ الجمعيات: الحل الالي بعد قرار معلل من جانب الادارة المسؤولة عن شؤون الجمعيات في رئاسة الحكومة (الفصل 33) ويحدث هذا عندما تعتبر السلطات أن الجمعية التي تم تشكيلها وتسجيلها بشكل قانوني في السجل الوطني للجمعيات لم يعد لها وجود حقيقي وفعال بسبب عدم عقد اجتماعاتها الدورية أو عدم تنفيذ أنشطتها خلال ثلاث جلسات متتالية. وهي مسالة تتعلق باختصاص جديد ممنوح للإدارة لتعزيز رقابتها على أنشطة الجمعيات ويمكن الطعن في الحل الالي أمام المحكمة الإدارية لكن تظل الإجراءات بطيئة للغاية كما ذكر.
يعتبر المرصد أن هذا المشروع الإصلاحي، في حال ما تم اعتماده، سيقيّد بشكل كبير الأنشطة المشروعة للمجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان منتهكا الحق في حرية تكوين الجمعيات، وهو حق تحميه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الدّولة التونسيّة ولا سيما الفصل 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والفصل 35 من الدستور التونسي.
وبناء على ذلك، يدعو المرصد السلطات التونسية العليا إلى سحب هذا المشروع من أجل ضمان الحق في حرية تكوين الجمعيات في البلاد ولضمان قيام المدافعين عن حقوق الإنسان بأنشطتهم المشروعة في مجال حقوق الإنسان دون إعاقة أو خوف من التّشفّي.
مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان (المرصد) هو شراكة بين المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (FIDHتم إنشاؤه عام 1997 والغرض منه هو منع أو معالجة حالات القمع ضد المدافعين عن حقوق الإنسان وتزويدهم بأكبر قدر ممكن من المساعدة الممكنة. المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان عضوان في ProtectDefenders.eu ، آلية الاتحاد الأوروبي للمدافعين عن حقوق الإنسان التي ينفذها المجتمع المدني الدولي.