لا لكل أشكال العنف المسلط على النساء... نعم لتعدد التعبيرات النسائية فلنكن يقظات!

26/04/2013
البيانات الصحفية
ar fr

أمام تصاعد وتعدّد الانتهاكات والعنف المهدّد لحقوق النّساء والطفلات في الأشهر الأخيرة
وأمام تفاقم الهشاشة والبطالة والعنف في الأوساط العمالية والريفية
وأمام حملات التشويه والاعتداءات ضدّ الفنانات والصحافيات والمناضلات وكلّ الناشطات في الفضاءات العامة.
وأمام السياسة التمييزية التي تسعى إلى التراجع عن مبدإ الاختلاط في المؤسسات التربوية
وأمام تزايد عدد رياض الأطفال التي لا تخضع إلى أي رقابة مؤسساتية أو بيداغوجية، وصلت إلى حد السماح للمنشطات بارتداء النقاب وبتحجيب الطفلات
وأمام تعدد المداهمات على مبيتات الفتيات في الكليات والمعاهد الثانوية
وأمام تفاقم ظاهرة التحرش بالنساء واستفزازهن في وسائل النقل وفي الفضاءات العامة
وأمام الدعوات إلى تزويج القاصرات والاعتراف بالزواج العرفي
وأمام التهديد بالتراجع في الحق في الإجهاض والاعتداءات الجنسية المتنوعة

نحن مناضلات الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات هزتنا موجة اغتصاب النساء التي طالت حتى الطفلات الصغيرات، خصوصا عندما يتورط فيها أشخاص من المفترض أنهم الساهرين على حماية المواطنات والمواطنين. وإذ نستنكر بشدة هذه الجرائم البشعة ونعبر عن تضامننا مع كل ضحاياها فإننا نستحضر ثلاث حالات وردت علينا في مركز الاستماع وتوجيه النساء ضحايا العنف تفيد أن المتهمين في حالتين من سلك الامن وفي الثالثة من الساهرين على رياض للأطفال.

ونعتبر أنّ هذا العنف، وخاصّة منه الجنسي، مُؤسّس على منظومة أبويّة سائدة في مجتمعنا وفي غيره من المجتمعات وتختزل كيان النّساء في أجسادهنّ لامتلاكها ومُراقبتها وتطبع كلّ مؤسّسات المجتمع (أمن، قضاء، تعليم، إعلام، الخ)

وفاء لمبادئنا، وإلتزاما بالنضال ضد العنف والتمييز المسلطين على النساء نواصل حملاتنا ضدّ العنف الجنسي وذلك لتمسكنا بمبدإ كونيّة الحقوق الإنسانية للنّساء وعدم تجزئتها.

وقناعة منّا أن المساواة بين النساء والرّجال لا يمكن أن تتحقّق دون ديمقراطيّة ودون عدالة اجتماعيّة وأنّ الإعتراف بالمواطنة الكاملة للنّساء، وبمشاركتهنّ في التنمية وضمان حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية واحترام حرمتهن الجسدية والمعنويّة هي شروط أساسية لإرساء مجتمع عادل ومتساو وديمقراطي.

ونذكّر الرأي العام الوطني والعالمي بمساهمتنا في تقدّم مكاسب التونسيّات خاصّة في ما يتعلّق بالعنف المسكوت عنه (تبنّي الحكومة استراتيجيا وطنيّة لمناهضة العنف حتى وإن لم تُفعّل بعد، تجريم التحرّش الجنسي، حقّ النّساء المُطلُقات على أبنائهنّ، منح جنسية الأم لأبنائها، الخ)

كما نذكر بانخراط وبمشاركة النساء التونسيات المكثفة ومناضلات الجمعية كطرف فاعل في المسار الثوري حتى يكون الانتقال الديمقراطي فرصة لتعزيز مكاسب النساء و فتح حوار حر وتعددي في كل المسائل المتعلقة بأوضاعهن وحقوقهن.

وتواصل التونسيات في كل الجهات وفي الفضاءات الخاصة والعامة تعبأتهنّ ويقظتهنّ وتصدّيهنّ، مُتضامنات في تعدّدهنّ واختلافهنّ، لكلّ محاولات فرض منظومة تمييزيّة جنسويّة لا تستثني أيّ امرأة.

لكن، وفي تعارض تامّ مع كل الانتظارات، فإن الوضع الرّاهن عوض أن يعزّز حرية الأفراد، نساء ورجالا، وأن يمكن من التعايش مع الاختلاف، فإنه قد أعاد وفاقم كل أشكال العنف ضد النساء والتمييز المُسلّطة على النساء.

وتأتي هذه الانتهاكات من أوساط مختلفة ومتعددة فمن دعاة يدّعون امتلاك الحقيقة الدينية، وأئمة يخطبون داخل المساجد في إفلات تامّ من الرّقابة والعقاب، ومن وسائل إعلامية، ومن متحدّثين باسم أحزاب، ومن أمنيّين وميليشيات، وحتّي من مواطنين عاديّين أطلقوا العنان لسلوكيّات جنسويّة ذكورية.
"مرحلة الانتقال الديمقراطي"، أو "الأزمة الاقتصاديّة" أو "الانفلات الأمني" أو "حريّة التعبير" أو "الشرعية/الأغلبية الانتخابية"... كل هذه الردود تُكرّس تبريرا بل "تشرّع" للعنف المُسلّط على النساء مستهدفة اقصاءهنّ حينما لا يستجبن للتمثّلات الأبويّة لأجسادهنّ في الفضاء العام.

تعبر هذه الردود في المستوى المؤسساتي عن استقالة تامة للدولة أمام العديد من الانتهاكات وخاصة الوزارات المسؤولة بدرجة أولى : وزارة المرأة، وزارة الداخلية، وزارة التربية، وزارة الرياضة والشباب.

وفي المجلس الوطني التأسيسي، ظلت معركة إقرار دسترة المساواة بين النساء والرجال رهن النقاش. فبعد التخلي على مصطلح "التكامل"، تركزت النقاشات حول معارضة أعضاء كتلة الأغلبية "لاتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز المسلط على المرأة" (السيداو)، وعلى بعض التدابير المتعلقة بحقوق الأطفال. ومن خلال هذه المواقف، تتشبّث الأغلبية بتعميق الوضعية الدونية للنّساء والتمسّك بمقاربة أبويّة للعلاقات داخل العائلة والمُجتمع.

إن تدخلات رئيس الجمهورية، عوض أن تساهم في طمأنة النساء، أتت لتغذي تصنيفهن في علاقة بأجسادهنّ وبلباسهنّ والاستهانة بالأخطار والتهديدات التي تواجهنها يوميا.

في هذا الوضع، ورغم التطوّر النسبي لمواقف العديد من الأحزاب الديمقراطيّة في تبني مطلب المساواة بين الجنسين والتنديد بالعنف المُسلّط على النّساء فإنّ هذه المطالب مازالت غائبة لدى البعض وينتابها الغموض لدى البعض الآخر إذ مازالت في الغالب رهينة حسابات سياسويّة مُتعارضة مع مبدإ احترام الحقوق الإنسانية للنّساء من جهة، ومن جهة أخرى فهي تمثّل عائقا أساسيّا أمام تحقيق أهداف الثورة : الحرّية والكرامة والعدالة والمساواة، للجميع، نساء ورجالا.

من جهتها، ورغم انخراطها الكلّي في النّضال ضدّ العنف السياسي عامة، فعلى مُكوّنات المجتمع المدني إيلاء مسألة العنف الخصوصي المُسلّط على النّساء والطفلات أهميّة خاصّة والتفكير في ادراجها ضمن استراتيجياتها ومشاريعها.

وبصفة عامّة فإن الأجوبة المُقدّمة من هنا وهناك وخاصّة من تيّارات الإسلام السياسي، غالبا ما تستظهر ببراهين مثل "الخصوصيات الثقافية" و"الأخلاقيات الدينيّة" وترتكز على خطاب التّذنيب على حساب القانون الوضعي الوطني والدّولي بتمييع قضيّة العنف المُسلّط على النّساء، والاخطر تبرير هذا العنف وتغذيته.

إنّ جمعيتنا التي لم تنجُ من حملات التشويه والتعسّف المُمنهج، تواصل مرافقتها للنساء طبقا لمبادئها ومرجعيّتها في احترام تامّ للسرّية ولقرارات النساء. إنّ الواقع اليومي للنّساء والإنتهاكات المُتكرّرة لحقوقهنّ من جهة و تبادل الخبرات والتجارب مع جمعيات شريكة من جهة أخرى قد عمّقت قناعتنا بأنّ المنظومة الأبويّة بكلّ تمثلاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية تؤسّس سلطتها على تملّك ومُراقبة أجساد النّساء.

هذا الإستهداف والتركيز على أجساد النّساء يزيدنا إصرارا على التعبئة والتضامن مع جميع النّساء مهما كانت طرق التعبير والفعل التي اخترنها. إذ أنّ هذه التعبيرات المختلفة تتّخذ اليوم أشكالا جديدة ومُتعددّة خارقة لجميع "النّواميس السياسية والأخلاقية السّائدة والمعهودة".

نحن، في جمعيّة النّساء الدّيمقراطيات، نحلّل هذه الظواهر دون أحكام مُسبقة بوضعها في السّياق أعلاه، وندرجها ضمن صيحات تمرد على محاولات مُراقبة النّساء وأجسادهنّ وتصدّيا لتفاقم العنف وحملات الكراهيّة المُتكرّرة ضدّهن خاصّة على شبكات الاتّصال الاجتماعي وفي خطابات المُحافظين والنّاقمين على النّساء.

ولا يفوتنا أن نُذكّر بموقف وزير التربية السّابق أمام ظاهرة رقصة التلاميذ المعروفة "بالهارلم تشايك" أو بطريقة التعبير التي اختارتها الشابة أمينة لا تبرّر بأيّ حال التهديدات التي تستهدفها والتي وصلت حدّ المُطالبة بقتلها. ونحن في الجمعية التونسية للنساء الدّيمقراطيّات ندعمها ونعبّر عن تضامننا معها كضحيّة عنف مُحترمات طريقتها في التعبير حتّى وإن كان تمشّيها مُختلفا عن أساليب النّسويات والمنظّمات غير الحكومية.

إنّنا نرفض قطعيّا توظيف الدّين أو ما يُسمّى بالأخلاق لتبرير الاعتداءات على كرامة النّساء وعلى حرمتهن الجسديّة والمعنويّة والنفسيّة. ونطالب السلطات بتحمّل مسؤوليتها في ضمان الحرّيات وحماية النّساء من كلّ أشكال العنف والتّهديد.

إنّ حريّة التعبير وتعدّد مظاهرها هي من مكاسب ثورتنا ولسنا مُستعدّات للتفريط فيها تحت أيّ تبرير أو مُسمّى.

عن الجمعية التونسية للنساء الديقراطيات
الرئيسة
أحلام بلحاج

أقرأ المزيد