ونؤكّد نحن ممثلات وممثلي الجمعيات والمنظمات والنقابات والأحزاب والشخصيات الوطنية، تمسّكنا بما خلصت إليه لجنة المساواة والحريات الفردية من استنتاجات هامّة ومقترحات جدّية لمشاريع قوانين نعتبر أنها تمثل أرضية مشتركة وصلبة يمكن التفاعل حولها وتطويرها وذلك:
• أولا، تلبيةً لحاجةٍ قانونيةٍ من حيث ضرورة ملائمة جميع التشريعات مع الدستور التونسي. ذلك الدستور الذي رحّب به التونسيات والتونسيون أجمعين وصفّق له العالم لحظة تبنّيه،اعترف وضمِن لائحة هامة من الحريات سواء العامة أو الفردية دونما تقييد أو تمييز بما حسم الجدل حول المشروع المجتمعي وقطع السبيل أمام المشككين في حق التونسيات والتونسيين في الإنسانية والكرامة والأمان ووسّع الآمال في أن يكون " الشعب صانعا لتاريخه، مؤمنا بأن العلم والعمل والإبداع قيم إنسانية سامية، ساعيا إلى الريادة، متطلعا إلى الإضافة الحضارية، وذلك على أساس استقلال القرار الوطني، والسلم العالمية، والتضامن الإنساني" (توطئة الدستور). واليوم يقترح التقرير تفعيل تلك القيم والأحكام الدستورية كي لا تظل حبرا على ورق.
• ثانيا، استجابةً لنضالات القوى الفكرية والحقوقية والسياسية والمدنية والمواطنية التونسية من حيث مطالبتها على مدى أجيال متعاقبة بإقرار واحترام المساواة والحريات الفردية كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان الكونية، وهي مطالبُ آنَ أوانُ تلبيتها.
• ثالثا، تدعيمًا للديمقراطية ببلادنا وذلك عبر القطع مع مختلف أشكال الانتهاكات والتضييقات التي تطال الحريات الفردية وتنال من المساواة بما عمّق الفساد وقوّى الاستبداد. إذ طالما شكّلت الحريات الفردية مدخلا لتصفية المعارضين السياسيين والحقوقيين وملاحقتهم والتعريض بهم بغية عزلهم عن المجتمع وطالما كانت أشكال التمييز مدخلا لإقصاء الفئات الأكثر هشاشة وفقرا من بينها النساء والشباب من المشاركة في الحياة العامة وهي جميعا سمات الأنظمة الاستبدادية التي حان وقت التخلّص منها.
• رابعا، تثبيتًا لدولة القانون التي تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون. لقد خاض الشعب التونسي منذ قرون خلت نضالات طويلة ومريرة لكي يكون سيّد نفسه وصاحب قراره وهو ما لا يمكن تحقيقه دون إعادة الاعتبار للفرد من أجل تركيز الثقة بين المجموعة الوطنية على أساس قوانين وضعية ومؤسسات ديمقراطية تضمن العيش المشترك والكريم للجميع دون إقصاء أو استثناء.
• خامسا، تعزيزا لما دأبت عليه بلادنا منذ ثورة 2011 من كسر لقيود التخلّف الحضاري والاجتماعي والتشريعي في سبيل مواكبة التطوّرات التي يعيشها مجتمعنا ومن أجل الرقيّ بالإنسان التونسي عبر إعلاء قيم الحرية والمساواة التي بدونها لا حديثَ عن كرامةٍ للفرد أو عن سلمٍ للمجتمع،
• سادسا، كسبا لمعركة الكرامة، تلك التي لا سبيل إليها دون توفير مقوّمات العيش الكريم كالشغل والصحة والتعليم والسكن التي يجب على الدولة حمايتها وان تتخذ، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، ما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي التدريجي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما ان هذه المعركة لا يمكن ان تنجح دون تربية الأجيال القادمة على الحريّة في كامل معانيها وشعور الفرد أنّه سيد نفسه، وتنمية قدراته على نقد ومقاومة تسلّط الجماعة والإجماع. فبناء التضامنات الاجتماعية بين مختلف الشرائح المجتمعية وبين الأجيال يشترط قبل كلّ شيء أن يكون الأفراد أحرارا في أذهانهم، حريصين على اكتساب وتثمين الحرية في جميع أبعادها وأوجهها.
ولأنه من الضروري أن تتكاثف كافة القوى حول هذه الأرضية المشتركة، ورفعا للمغالطات التي يتمّ ترويجها حول محتوى التقرير، نتوجّه اليوم، إلى كافة القوى الحية في البلاد، السياسية منها والحزبية والنقابية والشبابية وأعضاء مجلس نواب الشعب والمنظمات الوطنية والمنظمات غير الحكومية والشخصيات الوطنية من نساء ورجال ينشطون في جميع المجالات، الثقافية والفنية والاجتماعية والرياضية ونطلب منهم مساندة وتوقيع ميثاق تونس للمساواة والحريات الفردية.
ميثاق تونس للمساواة والحريات الفردية يأتي لمؤازرة تقرير اللجنة بمساندة أمّهات الحريات الفردية ودعائم المساواة الواردة به بغية تحصينها من كل تشويه أو توظيف أو انتهاك وبغية حشد القوى الحية ببلادنا حولها في سبيل تدعيمها بالإصلاحات التشريعية الضرورية اليوم لبناء جمهوريتنا الثانية قِوامُها حرية الأفراد ومساواتهم التامة والفعلية دون أي اعتبار بسبب الجنس، أو العرق، أو اللون، أو المظهر الخارجي، أو السنّ، أو الحالة الصحية، أو الإعاقة، أو التوجهات الجنسية، أو حالة الحمل، أو اللغة، أو الدّين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو النشاط النقابي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو مكان الإقامة، أو الثروة، أو النسب، أو الحالة المدنية أو غير ذلك من الأسباب... لإرساء دولة مدنية ديمقراطية تؤسس فعلا للجمهورية الثانية.
انطلاقا من هذه الأسس ورغبة في تحقيق هذه الأهداف نعلن التزامنا بما يلي:
1. الحق في الحياة ملازم لكل إنسان ولا يمكن لأي إنسان آخر أو سلطة أو دولة أن يهبه إياها وأن يحرمه منها وعليه يتحتّم إلغاء عقوبة الإعدام؛
2. المساواة ضمان لكرامة البشر ولا يقبل التمييز أيا كان سببه وأيا كانت مبرراته وأيا كان شكله وعلى الدولة أن تناهض التمييز الذي تتبناه في قوانينها وتعيد بالتالي إنتاجه في المجتمع. فاليوم لا مجال لانتصار القانون لبعض الشعب على حساب بعضه تحت أي مسمّى ولا يمكن أن يكون الجنس محدّدا أو مبرّرا للتفرقة أو الاستبعاد أو الإقصاء من الحقوق والحريات وعليه توجّب إلغاء كافة أشكال التمييز القانوني بين النساء والرجال وبين الأطفال سواء في الزواج أو الجنسية أو في رئاسة العائلة أو في الولاية على الأطفال أو في حضانتهم أو في الموارد والميراث أو اللقب أو غيرها... كما تتّجهُ مكافحة كل أشكال التمييز السائدة في الواقع وعلى الدولة القضاء على نزعات الكراهية والتفرقة والعنف المبنية على التمييز بين البشر ومنها رهاب المثلية.
3. الجسد حرية فكل فرد حر في جسده ومسؤول عنه وفي حفظ الجسد حفظ لكرامة الإنسان؛ فلا يحق لأي إنسان آخر أو سلطة أو دولة أن تتحكّم في جسد الغير بالقانون أو بالممارسة وعليه توجّبت حماية الجسد من التعذيب أو الأذى أو الألم الأمر الذي يقتضي تطوير تعريف التعذيب في قانوننا الوطني كما اتجهت حماية الجسد من كل استعمال تجاري أو علمي أو طبي لا يخضع لموافقة الشخص ولإرادته الحرة والمستنيرة وعليه توجّب إيقاف العمل بالممارسات المخلّة بحرية الجسد وبحرمته سواء ما اقتضاه القانون منها أو ما شاع في الممارسة لاعتبارات قانونية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو غيرها.
4. . قرينة البراءة هي الأصل ولا يُسلَب الإنسان من حريته تعسّفا ولا تتبّعَ إلا بمقتضى نصوص قانونية سابقةِ الوضع واضحة ودقيقة المنطوق تمكن كل شخص من تكهن نتيجة افعاله. ولا احتفاظ إلا بتوفير ضمانات المحاكمة العادلة وللمحتفظ به أو السجين حقوق إنسانية تضمن احترام كرامته. وعليه توجّهت مراجعة مجلة الإجراءات الجزائية وإعادة النظر في كل التشريعات ذات الصبغة الجزائية للحد من جزريتها وتنقيتها من الأحكام المستعملة لتضييق الحريات وقمعها كما توجّب إلغاء النصوص التي تنتهك أمان الشخص وطمأنينته ومنها فصول قمعية تعطي سلطة مفرطة للحكومة في حالة الطوارئ .
5. . الحياة الخاصة حرية ولا يمكن التدخل فيها بطريقة قمعية او تعسفية ؛ وعلى الدولة حماية خصوصية الأفراد وسرية معطيات الأشخاص وحرمة مساكنهم وأغراضهم وذمّتهم وأعراضهم من كل تدخّل أو انتهاك واتّجه بالتالي ردّ الاعتبار للحياة الخاصة لمراجعة عدد من القوانين ومنها قانون الإرهاب والنص المنظم لحالة الطوارئ.
6. الحق في الفكر و الضمير والدين حقٌّ مطلق لا يقبل تقييدا ويشملُ حرية الفكر في جميع المسائل وحرية الاقتناع الشخصي واعتناق دين أو عقيدة من عدمه وممارسة الشعائر الدينية من عدمها ولا تدخّل أو إكراه يمكن أن يُسلّط على تلك الحريات من أي جهة كانت واتجه لذلك إلغاء كل النصوص القانونية التي توحي بتفضيل أي معتقد ديني عن غيره من المعتقدات أو تلك التي تفرّق بين المواطنات والمواطنين على أساس الديانة وتلك التي تحرم بشكل مباشر أو غير مباشر الأقليات الدينية من حقوقها المدنية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية كما تمنع وتعاقب كل الممارسات التمييزية على أساس الفكر أو الضمير أو الدين.
7. . الفن والإبداع والبحث العلمي والمعرفة حريات يمنع ويعاقب تعطيلها أو إبطالها أو تقييدها بدوافع ايدولوجية أو سياسية أو دينية أو أخلاقية؛
8. الفكر والرأي والاصداح بهما بأي شكل من أشكال التعبير حريات يمنع تعطيلها أو إبطالها أو تقييدها خارج الاطر المسموح بها في المعايير الدولية؛ ويجب على الدولة ان تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
9. الحقوق والحريات الجنسية للاشخاص الذين بلغوا سن الرشد الجنسي حقوق إنسانية كاملة لا يمكن تجاهلها يحميها القانون ويمنع ويعاقب كل فعل يمسّ منها أو ينتهكها؛
10. تحمي الدولة ممارسة هذه الحريات والحقوق في جميع الفضاءات عامة كانت أو خاصة و تسري هذه الحقوق والحريات وضمانها على كل شخص بالتراب التونسي ويكون القضاء هو حامي المساواة والحقوق والحريات الفردية. وتحمي الدولة الولوج إلى هذه الحقوق والحريات والتمتع بها وفقَ ضوابط الدستور والمعايير الدولية أي دون النيل من جوهر الحق ومع احترام الضرورات التي تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباته