ماهى الوقائع التى شكلت أساس هذه القضية ؟
فى التسعينات فى القرن الماضي كانت الجزائر فريسة حرب أهلية ضارية ، بين أفراد الأمن والمليشيات التى سلحتها الدولة والجماعات الإسلامية المسلحة ، في هذا السياق كانت عمليات الإعدام الجماعية والقتل والتعذيب والاغتصاب والخطف والإختفاءات قد أصبحت ممارسات عادية ترتكب من قبل أطراف النزاع ، وتم كل ذلك في ظل إفلات تام من العقاب .
مجموعات ( الدفاع المدني ) للولاية ( ولاية مكونة من 38 بلديه ) لولاية غليزان ، والتي كان أعضاؤها حوالي 450 في بداية عام 1994 ، وقد تم تجنيد قادة المليشيات من بين رؤساء اللجان التنفيذية البلدية لولاية غليزان ، وقد أنشأت هذه اللجان وزارة الداخلية في عام 1992 ، وذلك بعد حل المجالس الشعبية البلدية ( البلديات ) ، والتي كانت تسيطر عليها الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، ونشاط هذه المليشيات كان مدفوعاً أيضاً بالسعي وراء الثروة ( عن طريق السلب والنهب ) من قبل أفرادها الذين كانوا يتلقون أيضاً أجراً من الدولة .
وقد اشتهرت ميليشيات غليزان مابين عامي 1994 ، 1997بالعديد من العمليات التي اُرتكبت ضد المدنيين في دائرتهم والتي كانت تحت سيطرتهم الكلية .
من ضمن هذه المليشيات حسين محمد المساعد الأول لرئيس اللجنة التنفيذية المحلية لغليزان ، وشقيقه عبد القادر محمد رئيس اللجنة التنفيذية المحلية في الحمادنة ، وقائد المليشية المحلية ، ويشك في كونهم قد ارتكبوا جرائم وأرهبوا السكان .
من هما الأخوة محمد ولماذا يطاردهم القضاء الفرنسي ؟
الأخوان من سكان إقليم غليزان ، وتنحدر أصولهم إلي نفس الإقليم ، وكانا من أعضاء المليشيات المعروفين من قبل السكان . حسين محمد ولقبه أدا ، وعبد القادر محمد كانا من قادة مليشيات غليزان ، وطبقاً للناجين وأقارب الضحايا فقد كان الأخوان ينفذان العمليات بوجه مكشوف ، مما مكن آباء الضحايا من التعرف رسمياً عليهما ، وطبقاً لشهادات أسر الضحايا فإن الأخوين مسئولان عن العديد من الجرائم التي ارتكبت خلال هذه الفترة ، وخاصةً عمليات التعذيب والإعدام الجماعي والإختفاءات القسريه ، وقد تم جمع هذه الشهادات من قبل جمعية أسر المختفين والمختفيات فى الجزائر ، وبعثة التقصي التابعة للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ، والتي توجهت في شهر يونيو عام 2000 إلى الجزائر ، والممثل المحلى في غليزان للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ( LADDH ) ، وطبقاً لأمر الإحالة التي أصدره قاضى التحقيق لمحكمة " نيم " الابتدائية ، فقد تم توجيه التهمه للأخوين محمد بارتكاب أعمال تعذيب بربرية فى حق أعضاء الأسر الممثلة كطرف مدني في القضية .
لماذا يقع ذلك في نطاق الولاية القضائية الفرنسية?
بموجب الولاية القضائية خارج الحدود الوطنية للقضاء الفرنسي ، والتي تترتب بشكل خاص على الالتزامات الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ، فإن المحاكم الفرنسية مختصة بالحكم في جرائم تعذيب ارتكبها أجنبي في الخارج ، وضد أجانب ، إذا كان الشخص المتهم موجوداً على الأراضي الفرنسية ، ولما كانت السلطات الفرنسية قد علمت بوجود الإخوة محمد على أراضيها في عام 2003 ، فعلى هذا الأساس قامت الفيدرالية الدولية والـ ( LDH ) بتقديم شكوى لمحكمة " نيم " الابتدائية بتهمة أعمال تعذيب ، ويعيش المتهمان حالياً في جنوب فرنسا ، وقد حصل أحدهما على الجنسية الفرنسية ، وقد شكل سبعة من الضحايا الجزائريين ومن أقارب الضحايا الذين فقدوا ذويهم أطرافاً مدنية في القضية أثناء التحقيق .
وقد سبق وأن أصدر القضاء الفرنسي عدة قرارات إدانة على أساس الولاية القضائية خارج الحدود الوطنية:
إلي ولد ضاح – رائد فى الجيش الموريتاني وقد حُكِم عليه غيابياً بعشر سنوات سجن فى شهر يوليو عام 2005 ، بتهمة أعمال تعذيب وممارسات وحشية ارتكبت في موريتانيا
في شهر سبتمبر عام 2010 تم إدانة خالد بن سعيد غيابياً وحكم عليه بعقوبة سجن مدتها إثنى عشر عاماً ، لتواطؤه في أعمال تعذيب ارتكبت في تونس
وأخيراً في شهر مارس فى العام الحالي 2014 ، تم إدانة باسكال سمبيكانجوا ، وحكم عليه بالسجن خمسة وعشرون سنه ، لأعمال إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في رواندا عام 1994 .
وتندرج قضية غليزان ضمن تسلسل هذه القضايا الثلاث التي تم الحكم فيها في فرنسا باسم الولاية القضائية خارج الحدود الوطنية .
لماذا طالت الإجراءات إلى هذا الحد ؟
لقد استغرقت العدالة الفرنسية عشر سنوات كي تنتهي من التحقيق ، وتقرر توجيه الاتهام للأخوين محمد ، ويمكن تفسير هذا التأخير بنسبة كبيرة لعدم وجود قسم مختص بمتابعة الجرائم الدولية في وقت تقديم البلاغ عام 2003 ، وقد أُنشأ هذا القسم في يناير 2012 ، وذلك في إطار المحكمة الابتدائية لمدينة باريس ، ويضم هذا القسم حالياً كل الملفات القضائية المتعلقة بجرائم تعذيب أو إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب ، هذا القسم المتخصص مكون من وكلاء نيابة وقضاة تحقيق ، يعملون فقط على هذا النوع من القضايا ، مما سمح بالإسراع في الإجراءات بدايةً من عام 2012 .
ولكن من الجدير بالذكر أن بطئ هذه القضية يشير بشكل كبير إلى إحجام السلطات القضائية والسياسية الفرنسية عن النظر في هذا الملف الذي له تبعات سياسية ودبلوماسية كبيره ، وذلك حال تحوله إلى قضيه .
ماهى الخطوات المقبلة ؟
يمكن للإخوة محمد أن يستأنفا أمام غرفة التحقيق التابعة لمحكمة استئناف " نيم " ، وسيتعين على الغرفة حينها أن تلغى أو تؤكد أمر الإحالة الصادر من قِبَل قاضى التحقيق ، وبعد ذلك سيتم تنظيم محاكمة أمام محكمة جنايات " جارد " ، وبذلك تكون أول قضيه تنظر بخصوص الجرائم التي ارتكبتها المليشيات الموالية للحكومة خلال الحرب الأهلية في الجزائر .
لماذا لم تحقق العدالة الجزائرية على الإطلاق بشأن هذه الفترة من تاريخ الجزائر ؟
لقد اعتمدت الجزائر في عام 2005 ميثاق السلم و المصالحة الوطنية، وتمنع هذه الوثيقة ذكر الحرب الأهلية التي مزقت البلاد بشكل علني ، وفى هذا السياق فإن أي إجراء قضائي يهدف إلى إثبات المسئولية بخصوص الجرائم التي ارتكبت في هذه الفترة أمر مستحيل ، وبذلك وبموجب هذه الوثيقة الوطنية فإن محمد سماعين ، وهو طرف مدني في القضية في فرنسا ، وكان يشغل في التسعينيات منصب المسؤول عن قسم غليزان في الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان ، قد حكم عليه عام 2007 ( وتم تأكيد الحكم عام 2011 ) من قبل القضاء الجزائري بالسجن شهرين مع الشغل ، وذلك بسبب ( إفصاحه عن جرائم خياليه ) ، وكان هذا التجريم بناءاً على اعتماد تلك الوثيقة الوطنية .
وفى الواقع فقد لفت محمد سماعين انتباه وسائل الإعلام الجزائرية إلى ما تم اكتشافه من مقابر جماعية في نواحي غليزان ، وقد دعي السلطات الجزائرية لإجراء تحقيقات فى هذا الشأن ، وقد تم القبض على محمد سماعين في شهر يونيو عام 2012 ، وأُطلق سراحه بعد شهر بفضل تعبئه دوليه مكثفه جداً ، ويدل هذا المثال على أنه من المستحيل نجاح أي مبادرة قضائية في الجزائر ، ومن هنا تكمن أهمية انعقاد المحاكمة في فرنسا .
التسلسل الزمني للإجراءات
في 2003
1. في 10 أكتوبر 2003 : تقديم شكوى بدعوى التعذيب والممارسات الوحشية وجرائم ضد الإنسانية أمام المدعى العام للجمهورية فى المحكمة الابتدائية بمدينة " نيم " الفرنسية ، من قبل الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان .
2. في نوفمبر 2003 : تم فتح ملف تحقيق مبدئي للتأكد من أن محل سكن الأخوين محمد تابع لمدينة "نيم " ، وقد حصل حسين محمد على الجنسية الفرنسية عن طريق الزواج .
3. في 11 ديسمبر 2003 : تم فتح تحقيق قضائي من قبل المحكمة الابتدائية في " نيم " بتهمة التعذيب والممارسات الوحشية
في 2004
4. في 18 مارس 2004 : تم تنظيم عدة جلسات استماع لأقارب الضحايا الجزائريين ( هوارى سعيدان والحبيب عون وفتحى عزى )
5. في 29 مارس 2004 : تم القبض على الأخوين محمد فى مسكنهما وحبسهما مؤقتاً ، واستمعت إليهما الشرطة القضائية وتم مواجهتهما باثنين من الضحايا .
6. في 30 مارس 2004 : قرر قاضى التحقيق وضعهما تحت الرقابة القضائية ، وقد استأنف وكيل النيابة هذا القرار .
7. في إبريل 2004 : الفيدرالية الدولية والرابطة الجزائرية وعدد من الضحايا الجزائريين ، يمثلهم المحاميان باتريك بودان وفليب إكسبرت شكلوا طرفاً مدنياً .
8. في 14 إبريل 2004 : نشر مرصد حماية حقوق الإنسان دعوى عاجلة بخصوص وضع محمد سماعين و فتحى عزى ، وقد حضرا للشهادة فى فرنسا وتلقيا تهديدات بالانتقام لدى عودتهما إلى الجزائر ( تم فصل عزى ، ثم تجريده من منصبه ونقله إلى قسم آخر تابع للبلدية الفرعية ، وتم القبض على محمد سماعين بينما كان بصحبة صحفيين يحققون بخصوص الإختفاءات القسرية ، وتم التحفظ عليه لمدة 20 ساعة ) .
9. في 18 يونيو 2004 : أصدر قاضى التحقيق طلب إنابة قضائية دولية ، حتي يمكن إستكمال إجراءات التحقيق فى الجزائر .
في 2005
10. فى 31 يناير 2005 : جلسة الاستماع لمحمد سماعين من قبل قاضى التحقيق .
11. فى 19 يوليو 2005 : السلطات الجزائرية ترفض تنفيذ طلب الإنابة القضائية الدولية ، وتبرر ذلك بأن الجزائر قد إتخذت كل الإجراءات اللازمة لتجريم ممارسات التعذيب في إطار قانونها الجنائي الوطني ، وقد جرمت حالات عديدة بالفعل وأن طلب الإنابة القضائية من شأنه المساس بسيادتها وبالأمن العام فيها .
في 2006
12. في 27 فبراير 2006 : دخل ميثاق السلم و المصالحة الوطنية حيز النفاذ في الجزائر .
13. في 7 إبريل 2006 : السيد مانجان قاضى التحقيق الجديد يخطر الأطراف بفشل طلب الإنابة القضائية الدولية الذى وجه للجزائر .
14. في 12 إبريل 2006 : مواجهة بين الأخوين محمد ( السيد محمد عبد القادر والسيد حسين محمد ) وبين الفيدرالية الدولية والرابطة الجزائرية والطرفين المدنيين ( السيد محمد هوارى سعيدان والسيد حبيب عون ) .
15. في 21 يونيو 2006 : المحامى كابانس محامى الأخوين محمد يضم لملف القضية ما إدعى بأنه ( إعلان ) إنسحاب بعض الأطراف المدنية ، وتلى ذلك خطاب من محامى الأطراف المدنية يفضح التهديدات ومحاولات الإخافة التى تعرضت لها الأطراف المدنية .
16. في 5 ديسمبر 2006 : مواجهة بين المتهمين ( عبد القادر وحسين محمد ) والضحية السيد محمد سعيدان وبعده السيد فتحي عزى .
في 2007
17. في 26 إبريل 2007 : مواجهة بين حسين المدعو ( إدا ) محمد والطرف المدنى أدا دركاوى .
18. في 25 يونيو 2007 : جلسة استماع للطرف المدني على عين سمين وناصرة داطور بصفتهم شهود .
19. في 7 نوفمبر 2007 : مواجهة بين على بين عين سمين ( طرف مدنى ) وحسين محمد .
في 2008
20. في 7 يناير 2008 : المحاميان لاسبير وڤيرجين محاميا الدفاع يطلبان الاستماع إلى شقيق محمد سعيدان كشاهد ، ويتم استدعاؤه في 28 مارس 2008 ، ثم تأجيل الموعد إلى 12 يونيو وذلك بعد حصوله على رفض لطلب تأشيرة الدخول إلى فرنسا .
21. في سبتمبر 2008 : تعيين قاضى تحقيق جديد السيد ماثيو
في 2009
22. في 27 يوليو 2009 : محامى الأطراف المدنية يرسلان خطاباً لقاضى التحقيق يطالبونه بإغلاق الملف بأسرع ما يمكن .
23. فى 22 ديسمبر 2009 : المحامى بودوين بصفته محامى الأطراف المدنية يجدد طلب الإنتهاء من التحقيق .
في 2010
24. في 25 مارس 2010 : قاضى التحقيق يخطر بالانتهاء من التحقيق بموجب المادة ( 175 ) من قانون الإجراءات الجنائية .
25. في 8 إبريل 2010: محامي الدفاع يقدمون طلباً يهدف إلى الاستماع لشقيق السيد سعيدان ، وإلى رفع الرقابة القضائية عن الأخوين محمد .
في 2011
26. فى 19 سبتمبر 2011 : قاضى التحقيق يقرر استحالة تنفيذ الطلبات المقدمة من قبل الدفاع ، ويصدر أمراً برفض تنفيذ إجراءات تحقيق إضافية .
27. فى 5 أكتوبر 2011 : إخطار جديد بإغلاق ملف التحقيق من قبل قاضى التحقيق استنادا إلى المادة ( 175 ) من قانون الإجراءات الجنائية .
في 2013
28. فى 26 يوليو 2013 : المدعى العام يصدر عريضة إدعاء نهائية مطالباً بتوجيه الاتهام إلى الأخوين محمد أمام محكمة الجنايات
في 2014
29. 26 ديسمبر 2014 : قاضية التحقيق تصدر مذكرة إحالة إلى محكمة الجنايات .