بالتزامن مع زيارة المقررة الخاصة المعنية بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان بالأمم المتحدة للجزائر، تطالب المنظمات
بالتزامن مع زيارة المقررة الخاصة المعنية بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان بالأمم المتحدة للجزائر، تطالب المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه السلطات الجزائرية إنهاء حملتها على الحقوق والحريات الأساسية، وإطلاق سراح جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المحتجزين في السجن ظلمًا. تأتي هذه الزيارة في خضم وضع مروع لحقوق الإنسان في الجزائر، حيث يقبع أكثر من 230 ناشطًا وصحفيًا ومدافعًا عن حقوق الإنسان في السجن بسبب ممارستهم حقوقهم المشروعة في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي.
تختص ولاية المقررة الخاصة، ماري لولر، بتقديم التقارير حول أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان، وهم بحسب التعريف؛ "جميع الأشخاص العاملين، بمفردهم أو بالاشتراك مع آخرين، من أجل تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها بطريقة سلمية."
يقول وديع الأسمر، رئيس الأورو متوسطية للحقوق :"أولئك الذين يجرؤون على الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر، يتعرضون لهجوم واسع النطاق. ويواجهون المضايقات والترهيب والاحتجاز غير القانوني. وقد أُجبر بعضهم على مغادرة البلاد بحثًا عن الأمان في مكان آخر، بينما لا يزال آخرون محتجزين في السجن."
في هذا السياق، نتطلع أن تولي المقررة الخاصة اهتمامًا خاصًا بما يتعرض له المدافعون ونشطاء المجتمع المدني من ملاحقة وترهيب، بما في ذلك هؤلاء الذين قد تلتقي بهم الخبيرة الأممية أثناء الزيارة. كما نلفت الانتباه إلى تدابير انتقامية محتملة بحق رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان في تيارت،أحمد منصري، الذي تم اعتقاله في 8 أكتوبر الماضي وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة عام، بتهم ملفقة تتمثل في نشر وثائق تضر بالمصلحة الوطنية، والتحريض على العنف والتجمهر غير المسلح، والتعدي على سلامة التراب الوطني. وذلك بعدما التقى رئيس الرابطة في 17 سبتمبر بالمقرر الخاص المعني بحرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي بالأمم المتحدة كليمان نيالتسوسي فول، خلال زيارته للجزائر بين 16-26 سبتمبر 2023. كما تدعو المنظمات الموقعة السلطات الجزائرية إلى الامتناع عن أي أعمال انتقامية مشابهة مع المتعاونين مع المقررة الخاصة في زيارتها المرتقبة أو ترهيبهم.
لقد أحكمت السلطات الجزائرية قبضتها على كافة مساحات المعارضة تقريبًا على مدى العامين الماضيين. وذلك عبر تفكيك معظم مجموعات المجتمع المدني المستقلة المدافعة عن حقوق الإنسان، وإغلاق ما تبقى من وسائل الإعلام المعارضة للاستبداد المتزايد والسائد في البلاد. إذ قضت المحكمة الإدارية بحل جمعيات بارزة مثل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (تأسست في 1989)، وجمعية راج (تأسست في 1992) بسبب أنشطتهم القانونية حسب ولايتهم، مثل استضافة مؤتمرات تنتقد السلطات، أو الاجتماع مع نشطاء أجانب، أو الدفاع عن حقوق الأقليات. وقد اعتمدت السلطات في ذلك على قوانين غامضة وفضفاضة، تصادر حرية عمل المدافعين عن حقوق الإنسان. كما حكمت محكمة في الجزائر العاصمة على ناصر مغنين، رئيس جمعية “أس او أس" باب الواد، بالسجن لمدة عام بتهمة المساس بالمصلحة الوطنية، بعد العثور على منشورات في مقر الجمعية تدين القمع والاعتقالات التعسفية والتعذيب في الجزائر.
يقول زياد عبد التواب، نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن :"للمدافعين عن حقوق الإنسان دورًا حاسمًا في تحدي سلوك الدولة، وحماية البيئة، والدفاع عن حقوق الأقليات، ومواجهة التعذيب، والدفاع عن حقوق العمال. واليوم يتحملون وطأة الاعتداء المتواصل على حقهم في التعبير، وفي انتقاد تعسف السلطات. ينبغي للسلطات الجزائرية وضع حد لهذه السياسة المعيبة، والسماح للمجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين بمواصلة مساعيهم دون قيود لا مبرر لها."
وبسبب هذه القيود التعسفية والترهيب المستمر، اضطر بعض المدافعين البارزين إلى مغادرة البلاد، بينما تعرض أخرون للاعتقال التعسفي بسبب رفض القمع علانية، مثل المدافع الحقوقي زكريا حناش، الذي كان له دور حاسم في رصد وتوثيق اعتقالات ومحاكمات النشطاء خلال الحراك الجماهيري المطالب بالتغيير السياسي. ففي 2 مارس 2023، أصدرت محكمة في الجزائر العاصمة حكمًا غيابيًا بحبسه ثلاث سنوات بتهم ملفقة تتمثل في نشر أخبار كاذبة وتلقي أموال وتقويض أمن الدولة ووحدة التراب الوطني. ومن الجدير بالذكر، أنه سبق وتم حبس حناش بسبب نشاطه الحقوقي في مارس 2022، لمدة 6 أسابيع بتهم لا أساس لها، بما في ذلك تبرير الإرهاب ونشر معلومات كاذبة. وبعد إطلاق سراحه، تعرض للترهيب والضغط، مما دفعه لمغادرة البلاد إلى تونس في أغسطس 2022، حيث حصل على صفة لاجئ لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين.
وبالمثل أُجبرت المدافعة الحقوقية أميرة بوراوي، طبيبة أمراض النساء على الفرار من الجزائر. وكان لبوراوي نشاط سياسي منذ عام 2011، لا سيما عبر حركة الحراك الاحتجاجية. وفي عام 2021، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات إجمالاً في قضيتين، بتهمة الإساءة لشخص رئيس الجمهورية والمساس بالدين، وتعرضت لحظر سفر تعسفي، فاضطرت لمغادرة البلاد عبر الحدود التونسية في فبراير 2023.
ولا يزال مدافعون آخرون يقبعون في السجون، منهم على سبيل المثال، الناشط البيئي محاد قاسمي، والذي حارب استغلال الغاز الصخري في جنوب الجزائر، والمسجون منذ 14 يونيو 2020. وفي عام 2022، حُكم عليه بالسجن لثلاث سنوات في قضيتين منفصلتين، الأولى بتهمة نشر رسائل انتقادية على مواقع التواصل الاجتماعي، والثانية بتهمة إفشاء معلومات سرية دون نية الخيانة أو التجسس، وذلك بسبب أنشطته في الخارج لحماية البيئة وضد استغلال الغاز الصخري. واحتجاجًا على اعتقاله التعسفي، دخل قاسمي في إضراب عن الطعام في يوليو 2023، مما أدى لتدهور حالته الصحية. ولا يزال حاليًا رهن الاحتجاز التعسفي في سجن بوسعادة. وقد طال الاعتقال التعسفي نساء مدافعات عن حقوق الانسان مثل كاميرا نايت سيد، نائبة رئيس المؤتمر العالمي الأمازيغي التي اعتقلت في منزلها في 24 أغسطس/آب 2021. وفي 4 يوليو/تموز 2023، حُكم عليها بالسجن لمدة خمس سنوات، تم تخفيضها إلى ثلاث سنوات عند الاستئناف، بتهم "الحصول على تمويلات بهدف تقويض الوحدة الوطنية وأمن الدولة"، و"استعمال تكنولوجيا الاتصالات لنشر أخبار كاذبة" و"العضوية في منظمة إرهابية".
ويضيف عبد الوهاب الفرساوي، رئيس سابق لجمعية راج المنحلة «لا ينبغي السكوت أبدًا أمام الاعتقال التعسفي عقابًا على النضال من أجل حقوق الإنسان. لقد حان الوقت لوضع حد للمقاربة الأمنية في تسيير الشأن العام و أن تعترف السلطات الجزائرية بالضرر الذي تلحقه بالمجتمع و الديموقراطية في البلاد من خلال مصادرة الحريات الأساسية و إسكات كل صوت مستقل يدافع عن حقوق الإنسان."
على مدى السنوات الثلاثة الماضية، اعتمدت السلطات الجزائرية مجموعة من القوانين القمعية الجديدة لخنق المعارضة وتجريم النشاط المدني والسياسي السلمي. إذ تم تعديل قانون العقوبات ليضم مادة تقضي بالسجن لمدة تصل لـ 14 عامًا لمن شارك في منظمة أو جمعية تتلقى أموالاً أجنبية دون ترخيص. كما عدل الأمر الرئاسي رقم 21-08 لسنة 2021 تعريف الإرهاب ليتضمن تجريم الأعمال الرامية إلى تغيير نظام الحكم بوسائل غير دستورية، مما أدى فعليًا إلى تجريم الدعوة السلمية لتغيير النظام وأي دعوة إلى إصلاحات ديمقراطية. هذا بالإضافة إلى توظيف قوانين مكافحة الإرهاب لمحاكمة المدافعين عن حقوق الإنسان، على النحو المتبع مع المدافعين؛ سعيد بودور، وجميلة الوكيل، وقدور شويشة، من فرع الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان في وهران.