بعد الصدمة والحشد، حان وقت التحرك

29/01/2015
البيانات الصحفية
ar en es fa fr ru

تشيد الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بجهود ملايين المواطنين الذين شاركوا في مسيرة الجمهورية بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 2015 في فرنسا، وفي مناطق أخرى من العالم كرد فعل لعمليات القتل في باريس التي استهدفت شارلي إبدو وسوبر ماركت كوشير. وفي مواجهة المظاهرات التي خرجت كرد فعل في بلدان أخرى منذ نشر العدد الأخير من شارلي إبدو، فإننا مضطرون لتحليل أهميتها ونتائجها.

المسيرات الأخيرة التي تطالب بحرية التعبير، وتلك التي تندد بمعاداة السامية وكل أشمال العنصرية والقتل: هذه هي القيم الديمقراطية التي هتف بها المتظاهرون بأعلى صوت في يوم 11 يناير/كانون الثاني.

الأمر يعود لنا جميعاً أن نحافظ على زخم هذه اللحظة. إن ترجمتها إلى تحرك وفعل هو مسؤولية حكوماتنا أولاً وقبل كل شيء.

في فرنسا، استعرضت رابطة حقوق الإنسان الأعمال المطلوبة لجبر الانقسام الذي تعاني منه الجمهورية. (بيان صحفي بتاريخ 9 يناير/كانون الثاني 2015 على:http://www.ldh-france.org/republique-effective/) وإننا لنصدق على عمل الرابطة ومنظمات المجتمع المدني من شتى أنحاء العالم، التي خرجت في مسيرات من بعد الهجوم: لابد من عدم الاستهانة بدعم المجتمع الدولي لهذا الموضوع.

الدفاع عن حرية التعبير لم ينل الدعم الدولي المطلوب.

لا يمكن إعادة التأكيد بالقدر الكافي أبداً على أن هذه الحرية "لا تنطبق فقط على المعلومات أو الأفكار المفضلة أو غير المهينة أو المحايدة، إنما أيضاً تنطبق على تلك الآراء المهينة والصادمة والمقلقة للدولة أو لأي قطاع آخر من السكان. إن تلك هي متطلبات التعددية والتسامح واتساع الأفق، والتي من دونها لن يكون هنالك مجتمع ديمقراطي" (محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، قضية هانديسايد، 1976).

يحدد القانون الدولي تحديداً حدود حرية التعبير. هذه الحرية لا تشمل التحريض على ارتكاب أو تبرير أعمال الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو التحريض على الكراهية أو التمييز العنصري أو الإثني أو الديني.

كما تحدد القيود على الحرية، لا سيما التي تقف عند حماية حقوق وسمعة الآخرين من الضرر أو التشهير بأشخاص بعينهم، وفقط تجاه أشخاص بعينهم، أو دين أو معتقد يُعاش بحسب معتقدات المرء الشخصية وحياته الخاصة.

بحسب القانون الدولي لا يُسمح بهذه القيود إلا من واقع قوانين وطنية تراعي المجتمع الديمقراطي، وبموجب شروط صارمة (الضرورة والتناسب) تُقيم في كل حالة على حدة من قبل قاضي.

ومن ثم، فإن حرية التعبير لا تتعارض مع حرية المعتقد أو الدين، على النقيض فهي مكملة لها، إذ تضمن تعدد الآراء والمعتقدات والقناعات وحرية التعبير عنها.

هذه المبادئ تمت معاودة التأكيد عليها وذكرها بوضوح إبان الجدل الدولي الذي أسفر عنه نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد في الصحف الدنماركية. عقدت الأمم المتحدة سلسلة من المشاورات بين الخبراء والحكومات من كافة المناطق، للتعرف على وتحديد نطاق ومجال القيود المقبولة في القانون الدولي على حرية التعبير. صدر إعلان وخطة عمل تم اعتمادهما بنهاية المشاورات، في الرباط، في شهر فبراير/شباط من العام 2013، وقد أقرت تلك الخطة وذلك الإعلان بأن "قوانين الازدراء غير مثمرة، من حيث أنها قد تؤدي إلى الرقابة على كل المناقشات وعلى كل حوار أو سجال أو انتقادات للدين من داخل الدين أو بين الأديان، وأغلبها قد تكون بناءة وصحية وضرورية. فضلاً عن أن بعض قوانين الازدراء توفر مستوى من الحماية يتباين من ديانة لأخرى وقد ظهر أن هذه القوانين تمييزية من حيث الممارسة".

ولقد أقرت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أيضاً بأن "الحظر على إظهار عدم احترام الدين أو نظام معتقدات آخر، بما في ذلك قوانين الازدراء، لا يتسق مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لا سيما الظروف المحددة الواردة في الفقرة 2 من المادة 20 من العهد" (التعليق العام رقم 34 حول المادة 19 الخاصة بحرية الرأي والتعبير في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تم اعتماد التعليق في يوليو/تموز 2011).

وعلى الرغم من هذه المبادئ فإن القوانين الوطنية يُساء تفسيرها وتصبح أداة لانتهاك الحريات لا لحمايتها. هذا يسري تحديداً على القوانين التي تجرم الازدراء، والتي ما زالت موجودة في أكثر من خمسين دولة. (http://www.humanrightsfirst.org/sites/default/files/Compendium-Blasphemy-Laws.pdf).

إن العديد من الدول التي تعارض فيها عناصر سياسية أو دينية حرية التعبير، لا سيما من خلال الكاريكاتير أو التهكم، تبرر إلى حد بعيد انتهاك هذه الحريات من أجل أن ترسي سلطتها ونفوذها الخاصين.

أول الضحايا هي الأصوات المستقلة في شتى أنحاء العالم، مثل رائف بدوي من السعودية، المدون الذي دافع عن رؤية أكثر ليبرالية للإسلام وإصلاحات مطلوبة في دولته. ومن ثم، فإن عقوبته كانت 1000 جلدة على "إهانة الإسلام"، والسجن 10 سنوات، بالإضافة إلى عدم السماح له بمغادرة البلاد لعشر سنوات إضافية، وغرامة 20 ألف يورو.

إن المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يدافعون عن هؤلاء الأشخاص المتهمون تعسفاً يخاطرون بحياتهم. هناك عضو باللجنة الباكستانية لحقوق الإنسان، هو رشيد رحمن، تم اغتياله في 8 مايو/أيار 2014 في باكستان. كان محامياً لشخص متهم بالازدراء. تلقى تهديدات بالقتل فيما كان يتولى قضية موكله أمام قاضٍ، وقد رفضت السلطات الباكستانية حمايته.

ثم هناك أميناتو منت المختار، رئيسة جمعية ربات البيوت في موريتانيا التي تم استهدافها بفتوى في 2014 لمجرد أنها دافعت عمن يلاحقون قضائياً بتهمة الردة أو الذين تتحرش بهم الجماعات الإسلامية المتطرفة.

وفي فيتنام، تم الحُكم على كل من بوي ثي مين هانغ ونغوين فان مين ونغوين ثي ثوي قوين، في ديسمبر/كانون الأول 2014 بالسجن عدة سنوات بتهمة زعزعة النظام العام لأنهم دافعوا عن حرية الدين والمعتقد.

وفي حوالي 80 دولة فإن مجرد التعريف بالانتهاكات لحقوق الإنسان المعترف بها عالمياً – ناهيك عن الدفاع عن ضحاياها لإنهائها – هو أمر ينطوي على خطر جسيم (انظر التقارير السنوية الأخيرة الصادرة عن مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان: https://wearenotafraid.org/en).

إنهم يخاطرون بالملاحقة القضائية والاحتجاز التعسفي، والإدانة بغير وجه حق والتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، وتخاطر منظمات المجتمع المدني والإعلام المستقل بالتعرض للاغتيالات والحل والتجميد عن العمل والوصم بصفات الخونة والمرتدين والإرهابيين والانفصاليين والمتطرفين.

ثمة حاجة ماسة الآن إلى تحدي عشرين أو نحو ذلك من المضطهدين لحرية الرأي والضمير الذين هرعوا إلى باريس بزعم إدانتهم للإرهاب. لابد من تذكيرهم بأن هذا يتطلب أن يكفلوا الحريات. لقد عادوا من باريس وهم أكثر تصميماً على الاستمرار في هذه الممارسات القاتلة للحريات.

ومنذ ذلك اليوم، وقعت عدة مظاهرات في جميع أنحاء العالم، احتجاجا على الدعم المقدم للصحيفة الساخرة الفرنسية. وفي حين أن الحق في التظاهر السلمي للدين أو المعتقد غير قابل للتصرف، فإننا نستنكر الهجمات التي نشأت ضد المجتمع المسيحي في النيجر، أو ضد الأقليات الأخرى في أجزاء أخرى من العالم. فهي غير مقبولة. مثل هذه المظاهرات الأخرى مثل التي نظمت من قبل رمزان قديروف في غروزني في 19 كانون الثاني، مجرد تسعى إلى استغلال الدين لأغراض سياسية.

نحن نتوقع أكثر من مجرد الإعلانات من زعماء العالم. فإننا نتوقع حراكاً دولياً غير مسبوق من القادة والزعماء، وكذا دفاع صلب عن المواطنين المقموعين بسبب دفاعهم عن حرية التعبير وعن حرية الدين والمعتقد.

كذلك ينبغي علينا أن نقيس إلى أي مدى أسهم ما يسمى بسياسات مكافحة الإرهاب التي تم إعدادها من بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 في هذا النمو الكبير للإرهاب الهمجي.

إن صور غوانتانامو وأبو غريب لم تكن مجرد عامل محفز يغذي الإرهاب وينميه، فقد دفعت الإرهابيين إلى تشكيل منظماتهم المروعة والتي بلغت ذروتها في صورة الإعدام الدموي للرهائن بشكل متكرر على يد داعش.

أما بالنسبة لإضفاء الشرعية العام على استخدام التعذيب من قبل زعماء "ديمقراطيين"، فكيف نتخيل الاحتجاز القسري والتعذيب في مراكز سرية وأعمال التسليم الاستثنائية في رحلات طيران سرية، والإعدام بدون إجراءات قانونية ومحاكمات على يد الطائرات بدون طيار، والمراقبة هائلة الحجم للبيانات الشخصية، والحصانة التامة لأصحاب هذه الممارسات إلا كعوامل تصب في صالح من يستقطبون الإرهابيين وإلا كعوامل تزيد من جاذبية نشاطهم الدموي هذا والاستخفاف بانتهاكاتهم لحقوق الإنسان؟

كما يجب إجراء تقييم قوي وحازم للإخفاق البين لغزو واحتلال العراق في عام 2003 والإخفاق الدراماتيكي في منع المأساة السورية المستمرة منذ 4 أعوام تقريباً، وتعزيز حل دائم ومستدام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إن التصور العالمي عن الظلم المتكرر والدائم بناء على الاستعمار الدائم للأراضي الفلسطينية لم يغذ فحسب الانتقادات المبررة لازدواجية المعايير، إنما أيضاً تم استغلاله داخل شبكات استقطاب الجهاديين. إنها أيضاً مسؤولية الحكومات، أن تقر بما حصل وأن تصل لسبل لعلاج هذا الموقف قبل أي شيء.

إن الديمقراطية الخليقة باتباعها ليست معادلة ثابتة عقيمة. إنما هو مطلب مستمر ودائم من القادة المدينين لمواطنيهم، بأن يضمنوا فعالية وحقيقية الحريات، بما في ذلك الحق في الأمن، لا سيما في أصعب الأزمنة والمواقف(أنظر تقرير الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان: اجراءات مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان: مفاتيح التوافق، أكتوبر 2005)

ربما كان التحدي هو معرفة كيف يمكن مقاومة إغراء السقوط في دوامة "القومية المفرطة"، وتحسين الأمن لحماية الحريات وليس لتقييدها. من وجهة نظرنا، فإننا نؤمن بأن من الشروط المهمة لتحقيق النتائج المرجوة هو توعية شبابنا بالمواطنة والمساواة بين الجنسين ومكافحة أوجه انعدام المساواة الاجتماعية وتعزيز حقوق الإنسان المعترف بها عالمياً في مجتمعات ترحب بكل الأشخاص أيا كان معتقداتهم الدينية أو الفلسفية.

المكتب التنفيذي – الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان

أقرأ المزيد