أسئلة وأجوبة حول قضية الدباغ: قضاة فرنسيون يصدرون ثلاث مذكرات توقيف دولية بحق مسؤولين سوريين كبار

05/11/2018
Déclaration
ar en fr

ما هي الحقائق وراء هذه القضية؟

في منتصف ليلة 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، قُبض على باتريك عبد القادر الدباغ البالغ من العمر 20 عامًا، وهو طالب في السنة الثانية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق، في منزله في حيّ المزة بدمشق.

قامت مجموعة مؤلفة من اثنين من الضباط، وجنديين وخبير في مجال الكمبيوتر، زعموا أنهم ينتمون إلى المخابرات الجوية السورية، بأخذ باتريك عبد القادر للاستجواب دون الإفصاح عن مبرّرات اعتقاله.

وفي الوقت ذاته من اليوم التالي، عاد الأشخاص أنفسهم إلى منزل عائلة الدباغ، هذه المرة برفقة ما يقرب من اثني عشر جنديًا مسلحًا. واتهموا والد باتريك عبد القادر، مازن الدباغ، بالفشل في تربية ابنه بشكل صحيح وألقوا القبض عليه، زاعمين أن هذا سيعلمه كيفية تنشئة ابنه بشكل صحيح. كان مازن حينها يعمل موجهًا تربويًا رئيسيًا في المدرسة الفرنسية بدمشق.

تؤكد شهادة الشهود أن كلًا من مازن وباتريك عبد القادر قد اقتيد إلى مركز احتجاز في مطار المزة العسكري تديره المخابرات الجوية السورية وله سمعة شائنة باستخدام التعذيب الوحشي فيه. تعتقد لجنة تقصي الحقائق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا أن سجن المزة يحظى بأحد أعلى معدلات الوفيات بين مراكز الاحتجاز في سوريا.

ولم يعرف مصيرُ الأب وابنه منذ ذلك الحين.

لم يشارك مازن الدباغ وابنه باتريك عبد القادر في أي تحركات احتجاجية ضد نظام الأسد، سواء قبل آذار/مارس 2011 أو بعده. ويشاركهم مصيرهم ذلك عشرات الآلاف من السوريين الذين اعتقلهم النظام السوري واقتادهم إلى مراكز الاحتجاز ولا يزالون مختفين قسريًا.

في وقت سابق من هذا العام، شرعت مكاتب التسجيل السورية بإصدار إخطارات وفاة لعدد كبير من الأشخاص المختفين. ففي تموز/ يوليو 2018، تلقت عائلة الدباغ إخطارًا رسميًا بوفاة باتريك عبد القادر ومازن الدباغ. ووفقًا للوثائق التي تلقتها عائلة الدباغ، فقد توفي باتريك عبد القادر في 21 كانون الثاني/يناير 2014، بعد فترة وجيزة من اعتقاله. فيما توفي والده مازن بعد نحو أربع سنوات، في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2017.

لماذا رُفعت القضية في فرنسا وليس في سوريا أو أمام المحكمة الجنائية الدولية؟

على الرغم من خطورة وسِعة نطاق الجرائم المرتكبة في سوريا منذ القمع الوحشي لانتفاضة آذار/مارس 2011 التي أشعلت فتيل صراعٍ عمره زهاء سبع سنوات، فإن هناك سبلًا محدودة للضحايا وعائلاتهم للحصول على العدالة والإنصاف. لم تصادق سوريا على نظام روما الأساسي، برغم محاولات استصدار قرار من مجلس الأمن لإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، فقد حال الفيتو الروسي والصيني مرارًا دون تمكن المحكمة الجنائية الدولية من فتح تحقيق بشأن سوريا.

مع قطع الطريق إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعدم وجود بوادر حقيقية من شأنها ضمان العدالة والمساءلة المستقلة داخل سوريا، توجه الضحايا إلى دول أخرى - مثل ألمانيا، والسويد، وفرنسا، وإسبانيا - للتحقيق في القضايا بناءً على ما يعرف بالاختصاص «الخارجي». فمنذ عام 2012، قام أفراد سوريون ومنظمات سورية إضافة إلى منظمات حقوق الإنسان الدولية برفع قضايا في هذه الدول للتحقيق في جرائم التعذيب والجرائم ضد الإنسانية و/أو جرائم الحرب.

ما هي المعايير المطبقة في فرنسا لبدء التحقيقات في الجرائم المرتكبة في سوريا؟

منذ أن تم إدماج اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في القانون الفرنسي في عام 1986، بات ممكنًا ملاحقة أي مشتبه فيه يكون موجودًا على الأراضي الفرنسية ومحاكمته في فرنسا بتهم التعذيب.

وقد طُبقت الحالة نفسها منذ آب/أغسطس 2013 على المشتبه بهم في حالات الاختفاء القسري، في أعقاب إدماج اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في القانون الفرنسي.

يمكن لضحايا التعذيب والاختفاء القسري، بغض النظر عن جنسيتهم وبلد الإقامة، تقديم شكوى جنائية لدى المدعي العام الفرنسي والمشاركة في الإجراءات كأطراف مدنية. وتمنح هذه الحالة الضحايا حقوقًا واسعة طوال فترة التحقيق، مثل القدرة على طلب إجراء تحقيقات محددة، أو استدعاء شهود معينين للإدلاء بشهاداتهم.

في 9 آب/أغسطس 2010، تبنى البرلمان الفرنسي قانونًا يدرج نظام روما الأساسي في القانون الفرنسي. ويمنح هذا القانون المحاكم الفرنسية ولاية قضائية حيال جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب المرتكبة في بلد آخر، إذا تم استيفاء الشروط التالية:
• إذا كان المشتبه به يقيم في فرنسا،
• إذا كان ثمة تشريع تجريمي لمثل هذه الأفعال في الدولة التي ارتُكِبت فيها، أو إذا كانت الدولة التي ارتُكِبت فيها الجرائم أو الدولة التي يكون المشتبه به من رعاياها طرفًا في نظام روما الأساسي؛ و
• أن يتم الشروع في الملاحقات القضائية بناءً على طلب المدعي العام الفرنسي فقط.

وفضلًا عن هذه المعايير، تتمتع المحاكم الفرنسية بالولاية القضائية فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة ضد مواطنين فرنسيين أو رعايا مزدوجين، إضافة إلى الجرائم التي يرتكبها مواطنون فرنسيون أو مواطنون مزدوجون. وبالتالي، وبناءً على أساس الجنسية المزدوجة (السورية – الفرنسية) لمازن وباتريك عبد القادر، تم إجراء تحقيق جنائي في فرنسا في تشرين الثاني/نوفمبر 2016.

في 1 كانون الثاني/ يناير 2012، تم إنشاء وحدة متخصصة لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في باريس، والمعروفة باسم "وحدة جرائم الحرب" الفرنسية. وتتكون هذه الوحدة من فريق مؤلف من ثلاثة مدعين عامين، وثلاثة قضاة تحقيق مستقلين، وفريق من المحققين المتخصصين، يعملون حصريًا في قضايا الجرائم الدولية. واليوم، تعمل وحدة جرائم الحرب الفرنسية على نحو 100 تحقيق قضائي ودراسات أولية تشمل جرائم دولية مرتكبة خارج فرنسا، 15 منها على الأقل تتعلق بجرائم ارتكبت في سوريا.

قامت وزارة الخارجية الفرنسية بنقل ملفات قيصر إلى الوحدة المتخصصة في باريس في أيلول/ سبتمبر 2015، مما أدى إلى فتح تحقيق أولي في ممارسة النظام السوري للتعذيب المنهجي للمعتقلين، من بين جملة انتهاكات أخرى.

كيف بدأت قضية الدباغ وكيف وصلت إلى مرحلة إصدار مذكرات اعتقال دولية؟

في 24 تشرين الأول/أكتور 2016، قامت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) ومنظمتها العضوة في فرنسا، الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (LDH)، مع السيد عبيدة الدباغ (شقيق مازن الدباغ) وبدعم فعال من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، بإحالة قضية مازن وباتريك عبد القادر الدباغ إلى وحدة جرائم الحرب الفرنسية.

في الشكوى المقدمة للمدعي العام، طلب المدعون إجراء تحقيق قضائي فوري، من خلال تعيين قاضي تحقيق في جرائم الاختفاء القسري والتعذيب التي تصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية التي يزعمون أنها ارتكبت ضد مازن وباتريك عبد القادر الدباغ من قِبل أفراد النظام السوري.

في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، فتح المدعي العام تحقيقًا قضائيًا وتم تعيين ثلاثة قضاة تحقيق للتحقيق في القضية.

وبين كانون الأول/ ديسمبر 2016 وأيلول/سبتمبر 2018، أدلى السيد عبيدة الدباغ بشهادته، ممثلًا من قبل محامي الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ثلاث مرات أمام قضاة التحقيق.

وخلال هذا الإجراء، وبالتعاون مع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، قدَّمت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان مذكرات قانونية وطلبات محددة لدى قضاة التحقيق، كما حددوا شهودًا رئيسيين على جرائم ارتكبها عناصر المخابرات الجوية السورية في مركز الاحتجاز في المزة وأماكن أخرى.

في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2018، أصدر قضاة التحقيق المسؤولون عن القضية ثلاثة أوامر توقيف دولية؛ ضد علي مملوك وجميل حسن، بتهمة المشاركة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وضد عبد السلام محمود، بتهمة المشاركة في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

من هم المسؤولون السوريون الثلاثة رفيعو المستوى الذين استهدفتهم مذكرات الاعتقال الدولية وما تهمهم؟

1) اللواء علي مملوك، مستشار الرئاسة الخاص لشؤون الأمن ومدير مكتب الأمن الوطني منذ 2012
كان سابقا مديرًا لإدارة المخابرات العامة (أمن الدولة ) منذ 2005.
انضم باكرًا للمخابرات الجوية حيث تولى إدارة فرع التحقيق ليصبح مديرًا للمخابرات الجوية بين عامي 2003 -2005.
تتهمه منظمات حقوقية بالمسؤولية والاشراف على الترسانة الكيميائية في سوريا واستخدامها لتصفية معتقلين سياسيين في سجن تدمر بين عامي 1985-1995.
مهندس إعادة بناء العلاقات المخابراتية لحكومة دمشق مع العالم الخارجي حيث تشير تقارير إلى لقائه بمسؤولي مخابرات أمريكيين وأوروبيين وعرب وقيامه بأكثر من زيارة خارجية وآخرها زيارة إلى روما أواخر شهر شباط/فبراير 2018 التقى خلالها وزير الداخلية ومسؤول في المخابرات الإيطالية.
كان مملوك أحد أوائل المسؤولين الأمنيين في النظام السوري الذين فرض عليهم الاتحاد الأوروبي عقوبات. وفي أيار/مايو فرض الاتحاد الأوروبي على مملوك حظر سفر وجمّد أصوله بسبب دوره في العنف ضد المتظاهرين.

2) اللواء جميل حسن، مدير المخابرات الجوية
تسلم منصبه عام 2009، وقبل ذلك تولى إدارة المخابرات الجوية في المنطقة الشرقية لفترة وجيزة خلال عام 2009 أيضًا، بعد أن كان ضابطًا في قاعدة المزة الجوية قرب العاصمة السورية دمشق منذ عام 2007.
أحد أعمدة النظام الأمني الذي أرساه حافظ الأسد منذ تسلمه السلطة في سبعينات القرن الماضي.
ويعتبر أحد أهم الداعمين والمشرفين على القمع العسكري العنيف للمظاهرات التي انطلقت عام 2011، ويتهم بضالوعه في جرائم قتل و تعذيب وانتهاكات متعددة ضد المدنيين.
في تصريح نادر للصحافة في 2016، جاء على لسانه تصريح يفيد بأن عملية عسكرية كبيرة كالتي استهدفت حماة في الثمانينات كانت ستنهي التحرّك منذ بدايته.
أصدرت السلطات القضائية الألمانية بحقه مذكرة توقيف في شهر حزيران/يونيو 2018.
فرضت عليه عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي منذ 2011، ويخضع لحظر سفر وتجميد أصول لدوره في العنف ضد المتظاهرين.

3) اللواء عبد السلام محمود، مدير التحقيق في فرع المخابرات الجوية بدمشق

تولى إدارة فرع التحقيق في المخابرات الجوية عام 2010. أحد أهم ضباط المخابرات، ويمارس أعماله من مقره في مطار المزة العسكري على أطراف العاصمة السورية دمشق.
محمود، الملقب بـ "العميد الحقوقي" لحيازته على شهادة في القانون، ومن منصبه كرئيس فرع التحقيق، يشرف بشكل مباشر على عمليات التحقيق والتعذيب في معتقلات المخابرات الجوية سيئة الصيت.
بأوامر وإشراف مباشرة منه تم اعتقال وتعذيب وقتل أعداد كبيرة من السوريين، من بينهم ضحايا مجزرة مساكن صيدا (نيسان/أبريل 2011)، التي قضى خلالها واعتقل المئات، ومن بينهم الطفل حمزة الخطيب الذي تم تسليم جثته لأهله، عقب قتله تحت التعذيب.
أدرج اسم عبد السلام محمود في قائمة عقوبات صدرت عن الاتحاد الأوروبي منذ 2012 لدوره في تعذيب المحتجزين.
وفي خريف 2016، وخلال اجتماع لمجلس الأمن، ذكرت مندوبة واشنطن أسماء ثمانية ضباط بارزين في النظام، قائلة إنهم "مجرمو حرب سيلقون نفس مصير أسلافهم المكللين بالعار". وكان من بين الأسماء المذكورة العميد عبد السلام محمود.

المشتبه بهم الثلاثة متهمون بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، وعبد السلام محمود مطلوب أيضًا بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب.

لماذا يعتبرر هذا التطور مهمًا؟

تُشكّل مذكرات الاعتقال الدولية هذه، والتي جاءت عقب أمر الاعتقال الدولي الذي أصدره المدعي الفدرالي الألماني ضد جميل حسن في حزيران/ يونيو 2018، محطة مهمة على طريق كسر إفلات مرتكبي الجرائم من النظام السوري من العقاب.

من خلال استهداف شخصيات رفيعة في النظام تطال قمة التسلسل الهرمي فيه لأول مرة على الإطلاق، من الواضح أنه لا يمكن للجناة - بغض النظر عن مناصبهم الرفيعة - الهروب من العدالة.

لفت نظام العدالة الفرنسي الانتباه إلى مسؤولية هؤلاء الأفراد الثلاثة ودورهم في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المرتكبة ضد الشعب السوري. ومع عدم الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو العدالة الانتقالية، أو محكمة مختلطة، حتى الآن، فإن هذه الخطوة تبعث بإشارة قوية إلى أن العدالة خارج الحدود الإقليمية تلعبُ دورًا أساسيًا في متابعة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة التي تُرتكب ضد المدنيين في سوريا منذ آذار/ مارس 2011.

كما توضح أن هذه التحقيقات ممكنة ويمكن أن تؤدي إلى نتائج ملموسة، وذلك بفضل التوثيق المكثف الذي قام به الناشطون السوريون منذ عام 2011 والشجاعة المذهلة للضحايا والشهود الذين يدلون بشهاداتهم.

ما هي الآثار المترتبة على مذكرات الاعتقال الدولية وماذا يحدث بعد ذلك؟

لم يعد بمقدور المشتبه بهم الثلاثة التمتع بالإفلات من العقاب على الجرائم التي ارتكبوها، كما أن مكانهم في مستقبل سوريا موضع شك.

سوف تمنع مذكرات الاعتقال الدولية المشتبه بهم الثلاثة من السفر إلى الخارج بِحرية.

يذكر أن علي مملوك سافر إلى إيطاليا في وقت سابق من هذا العام للقاء وزير الداخلية السابق، ماركو مينيتي، ورئيس المخابرات، ألبيرتو مانينتي، على الرغم من إدراجه في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي. إلا أن ذلك لم يعد ممكنًا. وستضطر إيطاليا الآن إلى إلقاء القبض عليه وتسليمه إلى فرنسا في حال عودته إليها.

وفيما يتعلق بالقضية الجنائية في فرنسا، فحتى إن لم يتم تنفيذ مذكرات الاعتقال الدولية، يمكن لقضاة التحقيق النظر في إغلاق التحقيق وإرسال القضية إلى المحكمة. وسيكون للمشتبه بهم الحق في التمثيل من قبل محام طوال مدة المحاكمة، حتى لو لم يكونوا هم أنفسهم موجودين في المحكمة.

أقرأ المزيد