تونس: الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان تحذر من استفتاء دستوري خطير يهدد الأسس الديمقراطية والحقوق الإنسانية

12/07/2022
Déclaration
ar en fr
Yassine Gaidi / Anadolu Agency via AFP

تعرب الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان عن بالغ انشغالها من التحول الخطير الذي تسلكه تونس اليوم، لا سيما بمشروع الدستور الذي جاء به مرسوم رئاسي في 30 يونيو، ليتم تعديله بعد ذلك في 8 يوليو بمرسوم رئاسي ثان، في خرق كامل للمعايير الدولية للانتخابات وفي تجاهل حتى لرزنامة الاستفتاء التي قررها رئيس الجمهورية، وهو مشروع يهدد بتقويض دولة القانون وأسس الديمقراطية وينسف الحريات التي اكتسبها التونسيات والتونسيون ثم عززها المسار الثوري الذي انطلق في 2011.

نظام رئاسي مفرط الصلاحيات وتهديدات لدولة القانون:

وإذ تسجل الفدرالية بكثير من الاستنكار أنه على الرغم من المعارضة الواسعة التي عبرت عنها اﻷحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، فإن رئيس الجمهورية التونسية واصل سياسة فرض اﻷمر الواقع من خلال دعوة الناخبين إلى صناديق الاقتراع في 25 يوليو 2022 للاستفتاء بنعم أو لا على دستور جديد نشره يوم 30 يونيو بمقتضى أمر رئاسي وهو دستور نابع من إرادته المنفردة ويبدو أن الهدف الوحيد منه هو إكساب شرعية جديدة لشخص قيس سعيد وللانقلاب الذي أقدم عليه في 25 يوليو 2021 ويرنو بذلك إلى الحصول على تزكية لانقضاضه على كافة السلطات واحتكارها من قبله.

وإذ تشير الفدرالية إلى أن كل الدلائل توحي بتراجع كبير عن مكتسبات التونسيين والتونسيات الذين ثاروا عام 2011 من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة والحريات وكذلك في سبيل الفصل بين السلطات وضد نظام زين العابدين بن علي الرئاسوي، حيث تشير مسودة الدستور إلى قطيعة جذرية مع النظام البرلماني القائم إضافة الى إضعاف شديد للسلطة القضائية. ويمنح مشروع الدستور رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، والمسؤول عن تحديد السياسة العامة للدولة، ويمنحه إمكانيات واسعة للتصديق على القوانين والدعوة إلى الاستفتاءات الدستورية والتشريعية. بذلك فإن مسودة الدستور تجعل من رئيس الجمهورية السلطة العليا للدولة وهو فوق كل السلطات والقادر على حل جميع الهياكل الأخرى (الحكومة والبرلمان وما إلى ذلك) دون أن يخضع بدوره إلى أي إجراء للمساءلة.

وإذ تلاحظ الفدرالية ببالغ القلق أنه في نفس هذا المسعى، أي لإضعاف السلطات المضادة، قد قضى مشروع الدستور على أغلب الهيئات الدستورية والمستقلة التي أنشأها دستور 2014، بما في ذلك الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وهيئة حقوق الإنسان، وهيئة التنمية المستدامة وحقوق اﻷجيال القادمة وكذلك هيئة الحكم الرشيد ومكافحة الفساد. وبالتالي، فإن هذا المشروع قد حافظ فقط على هيئة الانتخابات التي سبق للرئيس ان غير تركيبتها بموجب مرسوم يسمح له باختيار أعضاءها، عوضا عن البرلمان، وهو ما أثر بشكل كبير على استقلاليتها وحيادها.

مخاوف بشأن الحقوق والحريات:

وإذ تشجب الفدرالية التراجع اللافت عن مدنية الدولة التي كرسها صراحة دستور 2014 في ديباجته و في الفصل الثاني منه وجعلها إحدى ضوابط ممارسة الحقوق والحريات في الفصل 49، بينما جعل المشروع الجديد من تونس جزءًا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية والمجتمع العربي والمغرب العربي الكبير وفق الفصول 5 و6 و7، كما أصبحت الدولة مسؤولة عن تحقيق مقاصد اﻹسلام ما يفتح الطريق أمام تأويلات قد تقيد الحقوق والحريات باسم الخصوصية الثقافية، خاصة في غياب الاشارة الصريحة لتكريس حقوق الإنسان في كونيتها وترابطها وعدم قابليتها للتجزئة وعدم قابليتها للتصرف مثلما كانت تقتضيه فصول دستوري 1959 و2014.
وإذ تنبه الفدرالية كذلك إلى إضعاف ضمانات الحقوق والحريات في مشروع الدستور حيث يحيل تحديد نطاق ممارستها في عديد المناسبات إلى القوانين، وهو ما شمل الحق في الحياة والحق في الملكية والضمان الاجتماع وما إلى ذلك. هذا الامتياز الموكل الى السلطة التشريعية ميز إحدى اكبر هنات دستور عام 1959 الذي أدى إلى التضييق المتزايد على عديد الحقوق والحريات بما في ذلك حقوق التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع إلخ، وهو ما أفضى إلى ثورة 2011 والمطالبة شعبيا بدستور جديد.

في نفس السياق، لئن استرجع الفصل 55 من مشروع الدستور أغلب عبارات الفصل 49 من دستور 2014 التي تنص على أنه "يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها" فإن هذا الاسترداد كان جزئيا حيث اختفت منه ضرورات التناسب وفق متطلبات الدولة المدنية. ويمكن إذا استنادا إلى الفصل 55 أن تحد القوانين من الحريات في غياب هذه الضمانة الهامة بل ربما يتم وضع التقييدات وفقًا لمقاصد الإسلام التي اقتضاها الفصل 5 من المشروع.

كما تلاحظ الفدرالية بقلق شديد التهديدات التي تشكلها مسودة الدستور الجديد لحقوق المرأة. في الواقع، بالرغم من نقل الفصلين 21 و 46 من دستور 2014 حرفيا، فإن غياب الإشارة الصريحة إلى الطابع المدني للدولة، والتنصيص على مقاصد الإسلام في الفصل 5، وغياب الإشارة إلى الدولة المدنية في علاقة بضوابط الحقوق والحريات الواردة في الفصل 55 تمهد السبيل للتراجع عن الحقوق المكتسبة للمرأة التونسية وستشكل عقبة حقيقية أمام اي تعزيز مأمول لهذه الحقوق.

استفتاء دون ضمانات احترام المعايير الدولية:

وإذ تسجل الفدرالية ما يشوب مسار الاستفتاء على الدستور من خروقات عديدة للمعايير الدولية المتعلقة بالتصويت. حيث أن مسؤولية تنظيم الاستفتاءات تقع على كاهل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (ISIE) التي ينظمها القانون الأساسي رقم 2012-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 الذي يؤكد على استقلاليتها المالية والادارية وكذلك حيادها السياسي لكن الرئيس قيس سعيد قد أدخل تغييرات مهمة للغاية على نظامها القانوني بموجب المرسوم رقم 2022-22 الصادر في 21 أبريل 2022. سمح المرسوم المذكور لرئيس الجمهورية بأن يحل محل البرلمان لتعيين أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وبالتالي، فإن تبعية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للسلطة التنفيذية مؤكدة "مما يهدد استقلالها وحيادها، وهما الشرطان الرئيسيان للإدارة السليمة للاستفتاء" كما أشارت إلى ذلك لجنة البندقية في رأيها الصادر بتاريخ 27 مايو 2022 بشأن الاستفتاء على الدستور.

إضافة إلى ذلك، يرى العديد من المتخصصين في القانون الدستوري أن عملية الاستفتاء فقدت كل شرعيتها منذ لحظة نشر الرئيس التونسي، في 8 يوليو، للنسخة المعدلة من الدستور في الرائد الرسمي. حيث ان التعديلات التي ادخلت شملت الشكل وكذلك جوهر النص، وهو ما يجعل من نشر هذه النسخة الجديدة متعارضا مع المرسوم الرئاسي عدد 32 الصادر في 25 مايو 2022، والذي ينص على وجوب نشر مشروع الدستور في موعد أقصاه 30 يونيو 2022، وفي تجاهل تام لقرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدد 13 الصادر في 3 يونيو 2022 والذي يحدد رزنامة الاستفتاء.

وإذ تشير الفدرالية أخيرًا إلى أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لا تشترط حدًا أدنى لاعتماد نتائج الاستفتاء على الدستور، وأن رئيس الجمهورية أغفل إمكانية رفض مشروعه والنتائج التي ستترتب عن ذلك حتى أن المادة 139 من مشروع الدستور يقتضي دخوله حيز التنفيذ بمجرد إعلان نتائج الاستفتاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ما يوحي بإمكانية فرضه.

على ضوء كل هذه العناصر المقلقة، فإن الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان :

تدين بشدة هذا الانحراف الخطير المقوض لأسس الديمقراطية في تونس؛
تدعو رئيس الجمهورية الى العدول عن الاستفتاء الدستوري والرجوع الى حوار حقيقي تشاركي دون إقصاء يجمع كل القوى الحية بهدف وضع خطة طريق عاجلة تضمن العودة الى الديموقراطية ودولة القانون وتنهي العمل بالوضع الاستثنائي؛
تؤكد تضامنها التام والتزامها بالوقوف إلى جانب المجتمع المدني التونسي الذي يحشد، على الرغم من تعقد هذه الأزمة الدستورية، ليكون بمثابة حصن ضد تراجع حقوق الإنسان والديمقراطية.

أقرأ المزيد