ورقة موقف من واجب المجموعة الدولية مساءلة إسرائيل لارتكابها جريمة الأبارتهايد في حق الشعب الفلسطيني

28/04/2021
Déclaration
ar en es fr

بمناسبة اجتماع مكتبها الدولي المنعقد يومي27 و28 مارس 2021، تعلن الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان عن ضمّ صوتها لأصوات المنظمات الفلسطينية والإسرائيلية الرافضة للاحتلال ولسياسة الأبارتهايد التي تنتهجها إسرائيل تجاه الفلسطينيين من أجل تحقيق الفصل العنصري الممأسس عبر التشريعات وكذلك الممارسات التي ترمي إلى نزع الملكية والهيمنة والتفتيت الممنهج للشعب الفلسطيني الأصلي والتمييز في الحقوق بما فيها الحقوق المدنية والسياسية فضلا عن ارتكاب المجازر والاضطهاد بما يشكّل اعتداءً صارخا على القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان ويستوجب تحرّك المجموعة الدولية لإنهاء هذه الجرائم وإيقاف الإفلات من العقاب.

منذ سنة 2009، قامت عديد المنظمات الفلسطينية العضوة بالفدرالية، من بينها مؤسسة الحق والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز الميزان لحقوق الإنسان بدراسة وتحليل الوضع مبرزة أن ما يتعرّض له الفلسطينيون يتجاوز مفهوم الاحتلال ويرقى إلى وضع الاستعمار والفصل العنصري. وقد وثّقت هذه المنظمات السياسات التي تعتمدها إسرائيل لتحقيق استعلاء قومي يسلّط على الفلسطينيين كعمليات التهجير والإبعاد وهدم البيوت، ومصادرة الأراضي والاستيطان والتضييق على حريات الفلسطينيين بما في ذلك حرية التنقل وعرقلة حركة المواطنين أو منعها، بما يحول دون أي تواصل اجتماعي أو اقتصادي أو تعليمي، ويحول دون إمكانية إحداث أي تطوير في البنى التحتية، أو في المجالات الزراعية أو الصناعية أو التجارية.

وفي جانفي 2021، أصدرت جمعية بيتسليم-مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة، وهي منظمة عضوة بالفدرالية وتعمل منذ تأسيسها سنة 1989، على توثيق انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية (وبضمنها القدس الشرقيّة) وقطاع غزة، تقريرها الذي بيّن أن إسرائيل "تدير نظام استعلاء يهوديّ في كافّة المنطقة الممتدّة بين النهر والبحر، وحقيقة أنّها لم تعلن رسميا ضم الضفة الغربيّة لا يعني أن ذلك يعيقها عن التصرّف هناك وكأنّها داخل حدودها وخاصّة فيما يتعلّق بالاستيطان وتوظيف الموارد الهائلة لتطوير المستوطنات والبُنى التحتيّة المسخّرة للتّشبيك بين سكّانها".

تعتبر الدولة التي تسخّر قوانين وسياسات وممارسات تنتهك حقوق الإنسان، بغية إبقاء أو إدامة سيطرة فئة (عرقية أو إثنية أو قومية أو دينية) معينة على فئة أخرى، دولة ترتكب جريمة الفصل العنصري/الابارتهايد حسب القانون الدولي. [1]

إن ما انتهت إليه مجهودات التوثيق التي قامت بها المنظمات الفلسطينية والإسرائيلية يؤكّد أن عناصر جريمة الأبارتهايد كما عرّفها القانون الدولي تنطبق على السياسات التشريعية والمؤسسية الإسرائيلية ما جعل عديد الهياكل الدولية المعنية بحقوق الإنسان تستخلص نفس النتائج.

• مظاهر الأبارتهايد الذي تنتهجها إسرائيل:

كدولة احتلال، تنتهج إسرائيل ممارسات متعدّدة لإقامة نظام سيطرة واستعلاء عنصري على الفلسطينيين وبشكل أساسي عبر التشريعات والسياسات.
من حيث القوانين، للتمييز بين الإسرائيليين اليهود والفلسطينيين تعتمد إسرائيل عددا من القوانين أهمها قانون الجنسية والدخول إلى إسرائيل الذي يتيح ذهاب أي شخص معتقد في الديانة اليهودية من أي مكان في العالم إلى إسرائيل ويكسبه الجنسية والمواطنة وهو حق لا يتمتّع به الفلسطينيون اللاجئون والمُهجَّرون الذين شُرّدوا واستبعدوا وتحرمهم إسرائيل حق العودة رغم قرار الأمم المتحدة رقم 194 الصادر بتاريخ 11/12/1948 . قانون الجنسية والدخول إلى إسرائيل يهدف بالتالي إلى تكريس تفوّق عددي لليهود ويعكس منهجية إسرائيل لتقليص عدد الفلسطينيين كشعب أصلي. في آخر تعديل له سنة 2018، صار هذا القانون يمنح وزير الداخلية الإسرائيلي سلطة تقديرية واسعة لإلغاء تصريح الإقامة الدائمة للفلسطينيين في القدس ما يجعل هؤلاء يفقدون الإقامة داخل مدينتهم دون أي شروط أو معايير موضوعية، وهو القانون الذي يعلق إمكانية لمِّ شمل أسر المواطنين الإسرائيليين أو المقيمين في القدس الشرقية بأزواج فلسطينيين يعيشون في الضفة الغربية أو قطاع غزة، مع بعض الاستثناءات النادرة. أخطر هذه القوانين هو قطعا قانون الدولة القومية للشعب اليهودي لسنة 2018، الذي ينص على أن الحق في تقرير المصير هو حق حصري للشعب اليهودي، كما ويقلل القانون المذكور من قيمة اللغة العربية، بينما يعتبر المستوطنات اليهودية "قيمة وطنية" (الفقرة 13). إن هذا القانون ينفي عن الفلسطينيين الحق في تقرير المصير كحق أساسي أقرته كل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

من حيث الممارسات، لا تعوز الشواهد على التمييز العنصري الهيكلي والممأسس الذي تمارسه إسرائيل كقوة احتلال بحق الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر بدءا بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لفائدة اليهود الإسرائيليين مع حشر الفلسطينيين في جيوب ضيقة وهي سياسة انتهجتها عمليا إسرائيل منذ 1948 ثم بموجب جملة من القوانين لتفعيل مبدأ تهويد الأرض مثل قانون ملكية الغائبين الذي يسمح لليهود بامتلاك أراضي الفلسطينيين الشاسعة. ومنذ قيامها أنشأت إسرائيل ما يزيد على 700 بلدة وقرية يهودية. وفي الوقت ذاته، لم تنشئ أية بلدات أو قرى عربية جديدة. بل إن فلسطينيي الداخل يواجهون مشكلة مستعصية فيما يتعلق بالأرض. فنسبة 93% من الأراضي في إسرائيل هي أراضٍ تابعة للدولة. وبالمقابل، لا يملك العرب إلا 3% فقط من الأراضي، مع أنهم يشكلون قرابة 20% من سكان إسرائيل. كما يقيد النظام الإسرائيلي بشدة البناء والتنمية في الأراضي الصغيرة المتبقية للمجتمع الفلسطيني داخل الأراضي الخاضعة له ويمتنع عن إعداد المخططات العمرانية التي تعكس احتياجات السكان بما فيها الوصول للماء والمسالك والطرقات رغم النمو السكاني المتزايد. [2] من مظاهر الفصل العنصري الذي تسعى لتحقيقه إسرائيل أيضا، تقييد حرية حركة الفلسطينيين إذ وحدها إسرائيل هي التي تقرر التنقل في مختلف المناطق بما في ذلك المناطق الخاضعة نظريا للسلطة الفلسطينية حيث تفرض عديد القيود على حرية تنقل الفلسطينيين، بما في ذلك السفر إلى الخارج والعودة منه وفق صيغ مختلفة وعلى سبيل المثال، يجب على الفلسطينيين من الضفة الغربية الذين يرغبون في دخول إسرائيل أو القدس الشرقية أو قطاع غزة التقدم بطلب إلى السلطات الإسرائيلية. في قطاع غزة، الذي يخضع للحصار منذ عام 2007، يتم وضع جميع السكان فيما يشبه السّجن لأن إسرائيل تحظر جميع التنقلات تقريبًا، للدخول أو المغادرة -باستثناء الحالات النادرة التي يتم تعريفها على أنها حالات إنسانية. يمنع سكّان غزة بموجب الحصار من الحصول على الخدمات الأساسية، ولا سيما الرعاية الصحية، كما ويعيق القدرة على الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والمساعدة الصحية والإنسانية العاجلة والضرورية والمؤسّسات التعليمية في الضفة الغربية وخارجها.

إن جميع هذه الممارسات من استيطان وحصار وشرذمة للسّكان الفلسطينيين في تجمعات تفتقر لكلّ شروط التهيئة العمرانية وحرمانهم من الجنسية وحقوق المواطنة وتقييد تنقّلهم تمثّل هذه الممارسات التي تهدف إلى تفتيتهم وتجعلهم في وضعية قانونية وعملية أدنى من المواطنين اليهود الإسرائيليين.

• تحرّك المجتمع الدولي ضدّ الأبارتهايد الذي تنتهجه إسرائيل:

خلال السنوات الأخيرة، يتزايد الاعتراف الدولي بارتكاب إسرائيل لجرائم الفصل العنصري وفي 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، فدّمت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري، ملاحظاتها الختامية بشأن إسرائيل، والتي تُبرز لأول مرة وجود سياسات وممارسات إسرائيلية تمثّل فصلا عنصريا بحق الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر وقد أوصت اللجنة إسرائيل كدولة " بمنع وحظر واستئصال جميع ممارسات العزل العنصري والفصل العنصري في الأقاليم الخاضعة لسيطرتها، وتحث الدولة الطرف على تنفيذ المادة 3 من الاتفاقية تنفيذاً كاملاً بغية القضاء على جميع أشكال الفصل بين الطائفة اليهودية والطوائف غير اليهودية وعلى أي سياسات أو ممارسات من هذا القبيل تؤثر تأثيراً شديداً على السكان الفلسطينيين في إسرائيل ذاتها وفي الأرض الفلسطينية المحتلة أكثر من غيرهم." .

في 16 جوان/ يونيو 2020، أصدر أكثر من خمسين خبيرا ضمن إجراءات وآليات الأمم المتحدة الخاصة بيانا مشتركا اعتبروا فيه أن "خطة إسرائيل لضم ما يقارب من ثلث الضفة الغربية هي رؤية “لنظام فصل عنصري في القرن الحادي والعشرين". ويضيف البيان أن: "ما تبقى من الضفة الغربية سيكون بانتوستان فلسطيني، جزر من الأراضي المنفصلة التي تحيط بها إسرائيل بشكل كامل وبدون اتصال جغرافي بالعالم الخارجي… صباح اليوم التالي للضم سيكون تاريخ بلورة واقع ظالم بالفعل: شعبان يعيشان في المكان نفسه، تحكمهما الدولة ذاتها، ولكن بتفاوت حادّ في الحقوق، هذه صورة “أبرتهايد” القرن الحادي والعشرين".

منذ سنة 2013، نبّهت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان إلى "الوضع الذي يجعل من إسرائيل دولة فصل عنصري ".
واليوم وبعد أن سجلنا بكل ارتياح القرار التاريخي الذي صدر في 21 فيفري/ شباط 2021 عن الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية مؤكّدا ولاية هذه الأخيرة على فلسطين وامتداد اختصاصها إلى غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وبالتالي فإن المدعي العام مخوّل بالتحقيق في الجرائم الدولية المرتكبة في هذه المناطق والتي تقع ضمن اختصاص المحكمة، فإنه من الضروري أن تتم مباشرة التحقيق سريعا في كافة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي توجد قرائن كبيرة على ارتكاب إسرائيل لها وأن يتناول التحقيق جريمة الفصل العنصري/الأبارتهايد التي ارتكبت وترتكب.

من واجب المجموعة الدولية والدول الأعضاء بالأمم المتحدة أن يتخذوا إجراءات حاسمة لمساءلة إسرائيل عن سياسات الفصل العنصري التي تنتهجها وعن تكثيفها أنشطة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وعلى كل الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل في مخالفة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان ان تتوقّف ويتمكن الشعب الفلسطيني من التمتّع بالمساواة وممارسة حقه في تقرير المصير.

أقرأ المزيد