يجب أن تكون حقوق الإنسان في قلب العلاقة بين فرنسا ومصر

21/04/2016
البيانات الصحفية
ar es fr

رسالة مفتوحة إلى السيد فرنسوا هولوند بمُناسبة الزيارة التي يُؤدّيها إلى جمهورية مصر

فخامة السيد رئيس الجُمهورية

تلتقون يوم 17 أبريل برئيس جمهورية مصر العربية السيد عبدالفتاح السيسي من أجل التباحث معه أساسا في مشاريع عقود للتسلّح و"لتعزيز العلاقة الاستراتيجية بين بلديكُما".

منذ أشهر عبّرت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان عن انشغالها بهذا الخيار الدبلوماسي بما انه يُساهم بصفة حاسمة وخطيرة في دعم نظام مُتّهم بانتهاكات وتعديات تجاوزت كلّ الممارسات القمعية التي عرفها تاريخ مصر الحديث. وكما جاء مؤخرا عن المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان فإنه لا يُمكن تحقيق أي استقرار في ظل استمرار القمع بمثل هذا العنف.

نعتبر أنه من الأنفع والأجدى للمصالح الحقيقية لفرنسا العمل مع هذه الدولة من أجل الدفع بها للقيام بإصلاح لأجهزتها الأمنية التي تُزيد جرائمها كلّ يوم في تعقيد الأوضاع وجعلها قابلة للانفجار. هذه الأجهزة مسؤولة عن جرائم تعذيب وحالات متعددة للاختفاء القسري والاحتجاز التعسّفي والإعدام خارج القانون وسجن عشرات آلاف الأشخاص منذ وصول عبدالفتاح السيسي للحكم في شهر جويلية 2013 فارق منهم الحياة حوالي 200 موقوف.
بلغ عدد المسجونين والموقوفين منذ الإنقلاب على الرئيس السابق مرسي في جويلية 2013 عشرات الآلاف وقد فاق عددهم أربعة ألف موقوف. في هذا الصدد تعدّدت الشهادات حول الدور الذي يلعبه العنف المسلّط من قبل الدولة باسم مقاومة الإرهاب في التطرف المتزايد للشباب.

لكن الهدف الأساسي من هذه الرسالة هو تذكيركم بالدور المحوري الذي يُمكن أن تلعبه فرنسا من خلالكم بمُناسبة هذه الزيارة.

تأتي زيارتكم في فترة مصيرية أو بالأحرى فترة حياة أو موت بالنسبة للمُجتمع المدني المصري والمُستقل الذي لا يزال مُنظّما. ففي الأسابيع القادمة نتوقّع أن تقع مُلاحقة عشرات الناشطين الحقوقيين الذين يُمثلون العمود الفقري للمُجتمع المدني المُستقل والحُكم عليهم بالسجن لفترات قد تتراوح بين 25 سنة والسجن المُؤبّد، فقط لأنهم تحصلوا على منح مالية من الخارج دون إشراف الدّولة.

كما تظل عشرات المُنظمات المصرية غير الحُكومية مُهددة بالغلق في إطار إعادة فتح تحقيق حول تمويل الجمعيات المحلية والأجنبية كان قد انطلق منذ سنة 2011 وأفضى إلى إدانة 43 ناشطا يُمثلون خمس منظمات غير حكومية والحكم عليهم بالسجن من سنة إلى خمسة سنوات. يخضع اليوم أكثر من عشرة ناشطين حقوقيين للتحقيق بعد أن تمّ منعهم من مُغادرة البلاد وةتجميد أرصدة البعض منهم. كما أن قضايا جديدة تُفتح كلّ يوم ضدّ ناشطين حقوقيين آخرين، وهو ما من شأنه أن يؤدّي قريبا إلى القضاء على جهود مُختلف الناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان بمصر.

بفضل ضغوطات دولية قوية وقع تأجيل عدد من المُحاكمات التي تشمل مدافعين عن حقوق الإنسان إلى تاريخ يأتي مُباشرة بعد زيارتكم المُرتقبة إلى مصر بما في ذلك الجلسة الأخيرة ضدّ حسام بهجت وجمال عيد حول تجميد أرصدتهما.

ستترتب على هذا العدد الهائل من المُحاكمات آثار مُدمّرة على صورة فرنسا: فبينما تعمل السلطات الأممية والأميركية والألمانية والبريطانية منذ أسابيع على منع هذه المُحاكمات. دون التنديد علنا بهذا الهجوم على الحقوقيين ستُشكّل زيارتكم توقيعا على بياض لقمع المُجتمع المدني المُستقل بمصر.

يبقى مصير هؤلاء الأشخاص معلقا ومُرتبطا بالقرار الأحادي والانفرادي لعبد الفتاح السيسي. وفي هذه الظروف نعتقد بأنّكم مطالبون، سيدي الرئيس، بأن تُعيدوا على مسامع عبد الفتاح السيسي ما يقوله له علنا أقرب مناصريه على أعمدة الصحف منذ أسابيع: إن من مصلحته إيقاف هذه الإجراءات القضائية.

ندعوكم بشكل صريح إلى حثّ عبد الفتاح السيسي للتخلي على الإجراءات القانونية المنشورة في إطار ما عُرف بالقضية رقم 173 المُتعلقة بالتمويلات الأجنبية للمُنظمات غير الحكومية وبتسريح الموقوفين في قضايا رأي خاصة ومنهم رموز لثورة يناير 2011، وضمان المُحاكمة العادلة لكل الموقوفين لأسباب سياسية وإلغاء قانون التظاهر الصادر في 2013 واحترام حرية التنظم.

هذا وندعوكم أيضا إلى مُطالبة السلطات المصرية بتقديم المعلومات حول تقدّم التحريات بشأن مقتل الفرنسي أريك لانغ الذي قُتل بأحد أقسام الشرطة بالقاهرة في شهر سبتمبر 2013 في ظروف لم يتم الكشف عنها بعد. حيث يتناقض صمت السلطات الفرنسية بخصوص هذا الموضوع مع الموقف الذي اتخذته الحكومة الإيطالية التي استدعت سفيرها لدى مصر مؤخرا إثر وفاة الطالب جوليو رجيني تحت التعذيب، وكذلك مع بيانات وزارة الخارجية البريطانية التي احتجت لدى السلطات المصرية بخصوص هذا الموضوع.

أخيرا نطالب الحكومة الفرنسية الإعلام بكيفية تنفيذ قرار مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي لسنة 2013 والقاضي بإعلان الدول الأعضاء قرارها "بتعليق تراخيص التصدير نحو مصر لكل التجهيزات والآليات التي يُمكن أن تُستخدم في القمع الداخلي ولمراجعة تراخيص تصدير التجهيزات المعنية بالموقف الموحد رقم 2008/944/PESC وبإعادة النظر في المساعدة التي تُقدّمها الدول الأعضاء إلى مصر في مجال الأمن". وبينما وقعت فرنسا مع مصر اتفاقات هامة في مجال التسلّح خلال السنوات الأخيرة، فإننا ندعوكم إلى ضمان الشفافية فيما يتعلق بالتعاقدات التجارية التي تم الاتفاق عليها والتجهيزات التي تم تسليمها والضمانات التي قدمتها السلطات المصرية لعدم استخدام هذه التجهيزات والآليات للقمع الداخلي أو لتنفيذ جرائم تخالف القانون الإنساني الدولي.

لا تعكس هذه المطالب القيم والمبادئ العالمية فحسب لكنها تُمثل أيضا شروطا ضرورية لضمان استقرار الأوضاع في مصر. كما يُمثل إيقاف المُحاكمات ضدّ المُجتمع المدني وإخلاء سبيل سُجناء الرّأي الموقوفين بصفة تعسّفية وإصلاح الأجهزة الأمنية شروطا ضرورية لتحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية بمصر. يواجه هذا البلد اليوم أكثر من أي وقت مضى مخاطر المجموعات المُسلّحة التي تؤدي إلى مقتل المئات كل عام. غير أنه لا شيء يُمكن أن يُبرّر التصفية المنهجية للمُدافعين عن حقوق الإنسان وللمُجتمع المدني بصفة عامة ختى ولو تمّ ذلك باسم مكافحة الإرهاب.

قد تتحمّل فرنسا المسؤولية الكُبرى إذا ما أخفقت في جذب انتباه السلطات المصرية لمُختلف هذه النقاط. فعلاوة على التهديد المباشر والآني ضدّ حياة آلاف العائلات فإن استمرار السياسة التي يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسي يُنذر بفوضى قد تتجاوز حالة عدم الاستقرار التي تلت الانتفاضة الثورية لشهر يناير 2011.

كما أن ذلك الإخفاق قد يضع فرنسا في موضع الشريك في الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي إذا ما ثبت أنه وقع استخدام أسلحة فرنسية في الهجمات التي تستهدف المدنيين.

تقبّلوا منا سيدي الرئيس أخلص عبارات التحية والتقدير.

كريم الحيدجي رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان
جنيفياف غاريغوس رئيسة مكتب فرنسا لمنظمة العفو الدولية
فرنسواز ديمون رئيسة رابطة حقوق الإنسان
ميشال توبيانا رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان
بنيديكت جانرود مديرة مكتب فرنسا لمنظمة هيومن رايتس ووتش

أقرأ المزيد