قالت المنظمات إن تحقيق احترام حقوق الإنسان وتعزيزها خلال أي مرحلة انتقالية وبعد انتهاء النزاع يتطلب تعديلات تشريعية ودستورية أساسية لتكريس حماية الحقوق في القانون. يجب أن تشمل التعديلات الدستورية تعديلا ينصّ على أن جميع المعاهدات والقوانين الدولية التي صادقت عليها سوريا مُلزِمة. يجب أن يكون تحويل سوريا إلى دولة تحترم حقوق الإنسان وتلتزم بسيادة القانون عملية يقودها السوريون، مع إصلاح شفاف يلي المشاورات المحلية.
على الدول الأخرى التي ستحضر الاجتماعات التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف استخدام نفوذها على الفصائل السورية المتحاربة لضمان وضع حقوق الإنسان الأساسية للسوريين على جدول الأعمال.
أوضح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا أن جدول أعمال المحادثات سيعكس الأهداف التي رسمها قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2015. عبّر مجلس الأمن في القرار عن دعمه لتحقيق حكم شامل وغير طائفي، وكتابة دستور جديد، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة. كما أكد على الحاجة لإنشاء "آلية لمراقبة وقف إطلاق النار والتحقق منه والابلاغ عنه"، ودعا جميع الأطراف إلى تسهيل وصول المساعدات وإطلاق سراح المحتجزين تعسفا، وطالب بوضع حد للهجمات ضدّ المدنيين والأعيان المدنية واستخدام الأسلحة عشوائيا.
إنهاء الهجمات غير القانونية
في حين أن أطراف المفاوضات تسعى إلى التفاوض على السلام، ينبغي أن يبيّن أي اتفاق انتقالي بوضوح أن أطراف النزاع ستلتزم بقوانين الحرب في أي قتال مستمر. ينبغي أن يشمل أي اتفاق التزام القوات الحكومية السورية والقوات الروسية بالكفّ فورا عن استخدام الأسلحة العشوائية مثل الذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة، وإنهاء الهجمات العشوائية على المناطق المدنية المأهولة بالسكان والهجمات غير القانونية الأخرى.
على قوى المعارضة أيضا الموافقة على إنهاء الهجمات العشوائية وغيرها من الهجمات غير القانونية، بما فيها السيارات المفخخة وقذائف الهاون على المناطق المدنية التي تسيطر عليها الحكومة. على قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة اتخاذ التدابير اللازمة لتقليص الضرر اللاحق بالمدنيين والبنى التحتية وضمان اجراء تحقيقات فعالة ومحايدة في التقارير الموثوق بها عن سقوط ضحايا مدنيين وذكرها علنا.
رغم إعلان وقف إطلاق النار أواخر ديسمبر/كانون الأول 2016، تستمر الهجمات غير القانونية، بما فيها في وادي بردى بريف دمشق وفي إدلب، وأجزاء أخرى من البلاد. أصابت غارة جوية في الساعات الأولى من صباح 1 فبراير/شباط، مبنى تابع لـ "الهلال الأحمر العربي السوري" في إدلب، ما أسفر عن إصابة مدير المركز وإلحاق أضرار بالغة بالمبنى. ذكرت "اليونيسيف" في 10 فبراير/شباط أن 20 طفلا على الأقل قتلوا في أعمال عنف في إدلب، وحيَّي الزهراء والوعر في حمص، وفي الغوطة الشرقية بريف دمشق.
في ضوء جرائم الحرب المتكررة التي ترتكبها الحكومة السورية والانتهاكات واسعة النطاق والمنهجية لحقوق الإنسان، بما فيها الاستخدام غير القانوني للأسلحة، على جميع الأطراف الدولية، بما فيها المشاركة في المفاوضات، الالتزام بوقف نقل السلاح والمعدات ذات الصلة والدعم اللوجستي للحكومة السورية حتى وقف الانتهاكات ومحاسبة الأطراف المسؤولة. على هذه الدول التوقف عن تقديم الدعم إلى جماعات المعارضة المسلحة التي تثبت مسؤوليتها عن انتهاكات حقوقية واسعة النطاق أو منهجية أو جرائم حرب.
على قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الأخذ بعين الاعتبار أن التحالف الروسي-السوري ارتكب مرارا جرائم حرب تحت غطاء محاربة الإرهاب، ويجب أن يكفل أي تعاون مع روسيا في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش") في سوريا عدم التواطؤ في مثل هذه الجرائم.
وصول المساعدات الإنسانية والإخلاء الآمن للمدنيين
بموجب القانون الإنساني الدولي، جميع الأطراف في أي نزاع مسلح ملزمة بتسهيل وصول المساعدات السريع ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين، والسماح للمدنيين بمغادرة أي منطقة تحت الحصار بحُريّة. يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. يعيش 4.9 مليون شخص في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها في سوريا، وفقا لـ "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا). تعاني هذه المناطق من القصف وعدم كفاية المساعدات والتغذية والمياه والرعاية الطبية.
استمر حصار المناطق المدنية من قبل القوات الحكومية والقوات الموالية لها وجماعات المعارضة المسلحة وتواصل منع إيصال المساعدات رغم وقف إطلاق النار. تدهورت الأوضاع في المناطق التي تحاصرها القوات الحكومية والقوات الموالية لها بسرعة، ما اضطر المدنيين إلى مغادرة هذه المناطق.
قُطعت مياه الشرب عن 4 ملايين شخص في دمشق وضواحيها من وداى بردى وعين الفيجة اللتين كانتا تسيطر عليهما المعارضة "بسبب استهداف متعمد أدى إلى تدمير البنية التحتية"، وفقا لأوتشا. وجدت مجموعة "بيلينغكات" لصحافة المواطنة الاستقصائية، بعد تحقيقها في الأضرار التي لحقت إمدادات المياه، أن "السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن النظام كان مسؤولا عن الأضرار التي لحقت ببنية النبع". قضى المدنيون في دمشق أسابيع دون ماء نظيف، تبادل خلالها الطرفان الاتهامات وتفاوضا على صفقة لإصلاح خط الإمداد.
في فبراير/شباط 2014، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 2139 لضمان وصول المساعدات، داعيا جميع أطراف الحرب السورية لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء سوريا. في ضوء عدم التزام الحكومة السورية، أصدر مجلس الأمن القرار 2165 في 14 يوليو/تموز 2014، والذي يفوض وكالات الأمم المتحدة وشركاءها المنفذين بتقديم المساعدات عبر 4 حدود لا تسيطر عليها الحكومة السورية بالإضافة إلى تلك المستخدمة أصلا. مُدّد القرار 2165 في ديسمبر/كانون الأول 2016 حتى 10 يناير/كانون الثاني 2018.
رغم استمرار عدم امتثال الحكومة السورية لقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن تقديم المساعدات الفورية، لم يتخذ المجلس أي تدابير أخرى، رغم تأكيده في القرار 2165 أنه سيفعل. استخدمت روسيا مرة أخرى حق النقض (الفيتو) في 5 ديسمبر/كانون الأول لتعطيل عمل مجلس الأمن بشأن سوريا. دعا مشروع القرار إلى وقف القتال 7 أيام في حلب وطالب بالوصول الآمن لتقديم المساعدات.
على الحكومات المعنية دفع وفديّ الحكومة والمعارضة السوريَّين إلى تقديم التزام فوري بالسماح لجميع المدنيين الذين يرغبون في مغادرة المناطق المحاصرة بالقيام بذلك، وبالسماح بالوصول الفوري للمساعدات القادمة عبر خطوط الحدود والنزاع دون أي عائق.
على جميع أطراف النزاع الالتزام بضمان تنفيذ أي عمليات إجلاء للمدنيين وفقا للقانون الإنساني الدولي. ينبغي السماح للأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات بالوصول لرصد أي عمليات إجلاء والإبلاغ عنها. ينبغي أن تكون عمليات إجلاء المدنيين طوعية وإلى الأماكن التي يختارونها، ويجب حماية من يختار البقاء أو المغادرة.
العدالة
في 21 ديسمبر/كانون الأول 2016، اعتمدت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" قرارا لإنشاء وحدة للمساعدة في التحقيق في الجرائم الخطيرة التي ارتكبت في سوريا منذ عام 2011، والتي سوف تساعد في تمهيد الطريق لتحقيق العدالة بعد سنوات من الفظائع دون رادع. على الدول التي صوتت لصالح هذا القرار غير المسبوق دعم "وحدة التحقيق"، بما فيه عن طريق المساهمة في الموارد المالية اللازمة لعملها. تُعتبر هذه الوحدة وغيرها من جهود التوثيق، بما فيها "لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق"، أمرا حيويا لعمليات المساءلة المحلية والدولية في المستقبل. قد تساعد هذه المبادرات في بناء بعض الزخم من أجل العدالة وكذلك في توجيه رسالة قوية للضحايا السوريين مفادها أن الجرائم الخطيرة التي ارتكبت ضدهم لن تمر دون مساءلة.
على أطراف النزاع، منها الحكومة السورية، الالتزام بالتعاون مع وحدة التحقيق ولجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق.
على المجتمع الدولي مواصلة العمل لوضع الأسس لعملية ملموسة وذات مصداقية لتحقيق العدالة على المدى الطويل. على الحكومات التي تدعم الجهود المبذولة لإعطاء المحكمة الجنائية الدولية الولاية في سوريا الاستمرار في التزامها بالسعي إلى تحقيق العدالة للضحايا، سواء في مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أو "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"، أو من خلال قنوات أخرى، بما فيها استخدام الولاية القضائية العالمية. على البلدان الأخرى توضيح أن العدالة عنصر أساسي في أي اتفاق سلام في المستقبل، بما يشمل أي مفاوضات في جنيف.
يجب رفض مقترحات منح الحصانة لأي شخص متورط في جرائم خطيرة. على الأطراف التعهد بمراجعة وتعديل أي حكم في القانون السوري يمنح الحصانة لقوات الأمن، وإجراء إصلاحات واسعة لتجهيز النظام القضائي في البلاد للتصدي للجرائم الخطيرة، مع المحاكم الأخرى، التي قد يكون من بينها المحكمة الجنائية الدولية.
هناك حاجة أيضا إلى انشاء آليات واسعة لتقصي الحقائق وضمان التعويض للضحايا والعائلات، والتحقق لمنع مرتكبي الانتهاكات من تقلّد مناصب رسمية. ينبغي أن يشمل أي اتفاق التزام الأطراف المتفاوضة بإنشاء لجنة وطنية يوكل إليها الكشف عن مصير المفقودين والتحقيق في التعذيب والإعدامات خارج نطاق القضاء، وغيرها من الانتهاكات الحقوقية الجسيمة.
إصلاح أجهزة الأمن والإفراج عن المعتقلين
منذ بداية الانتفاضة في سوريا، ارتكبت قوات الأمن الاعتقال التعسفي، الاحتجاز غير القانوني، الإخفاء القسري، وسوء المعاملة والتعذيب والقتل بحق آلاف الأشخاص، باستخدام شبكة واسعة من مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء البلاد. شمل الاعتقال المتظاهرين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السلميين المشاركين في تنظيم الاحتجاجات أو تصويرها أو الحديث عنها في الإعلام، بالإضافة إلى الصحفيين ومقدمي المساعدات والمحامين والأطباء.
يجب أن تشمل أي خطة انتقالية الالتزام بإنشاء آلية تدقيق مستقلة لكبار المسؤولين الأمنيين الحاليين والمحتملين. مَن تتوافر ضدهم أدلة تشير إلى تورطهم في جرائم بموجب القانون الدولي وغيرها من الانتهاكات الحقوقية الخطيرة يجب إيقافهم عن العمل أو منعهم من تولي مناصب أمنية جديدة في انتظار إجراء تحقيق كامل. يجب محاكمة المشتبه فيهم في محاكمات عادلة كلما توفرت أدلة مقبولة كافية حول تورطهم في جرائم دولية.
ينبغي أن يُطلب من الأجهزة الأمنية العديدة في سوريا أيضا أن تكون تابعة لأي حكومة انتقالية ومسؤولة أمامها. يجب أن يتفق الطرفان على إجراء إصلاحات مؤسسية تهدف إلى ضمان عدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في الماضي.
يقبع عدد كبير من المتظاهرين السلميين، والنشطاء السياسيين والإنسانيين، في الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي في حين واجه آخرون المحاكمة، بعضهم أمام المحاكم العسكرية ومكافحة الإرهاب، بسبب ممارسة حقوقهم. اعتقلت جماعات معارضة مسلحة الناس تعسفا، وخاصة في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا، بمن فيهم الصحفيين وعمال الإغاثة، والنشطاء الذين انتقدوها.
ينبغي أن يشمل أي اتفاق الالتزام بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والصحفيين وعمال الإغاثة والناشطين الحقوقيين، والسماح لمراقبين مستقلين بالوصول إلى مراكز الاحتجاز وجميع المحتجزين. تتمثل إحدى الطرق الفعالة لضمان هذه الخطوات في إنشاء لجنة مستقلة للنظر في حالات المعتقلين، ومراقبة معاملتهم في الاحتجاز، وضمان الإفراج عنهم. ينبغي السماح للجنة بالوصول إلى جميع مراكز الاحتجاز، لمتابعة مهامها بشكل صحيح.
على الأطراف الالتزام بإلغاء أو إصلاح القوانين التي تُجرّم ممارسة الحق في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، بما فيها قانون مكافحة الإرهاب الصادر في يوليو/تموز 2012، والذي يُجرّم النشاط اللاعنفي ومعارضة الحكومة. ينبغي الالتزام الصريح بعدم اعتقال أو محاكمة عمال الإغاثة الذين كانوا يعملون في مناطق المعارضة، بمن فيهم من قدم المساعدة الطبية للمرضى أو المصابين – سواء كانوا مدنيين أو مقاتلين – وفقا لقوانين الحرب.
على الأطراف الالتزام بتضمين جميع إجراءات الحماية الأساسية الخاصة بالمعتقلين في القانون السوري كما يكفلها القانون الدولي، بما في ذلك حظر الاحتجاز التعسفي وضرورة اعلام الشخص المعتقل بأسباب اعتقاله، وتمكين المحتجزين من فرصة للاعتراض على قانونية الاحتجاز لدى محكمة. يجب السماح لكل المحرومين من حريتهم، بصرف النظر عما إذا كانوا محتجزين، بالاتصال بمحام وبأقاربهم وبعاملين في المجال الطبي بشكل منتظم.