عملت السعودية بأسلوب: قتل مشروع قرار تقدمت به هولندا عبر الغاء دعمها و اعتماد نص منافس مقدَم من قبل المجموعة العربية و الدبلوماسيين السعوديين كأصحاب "ركلة جزاء"، و من خلف الكواليس قامت الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و المملكة المتحدة بمساعدتها في دفن المبادرة الهولندية تلك و ذلك عبر تقديم دعم متأخر و ضعيف جدًا للنص الهولندي و عبر الإصرار على ضرورة التوصل مع اتفاق مع السعوديين، فقد قامت هذه الحكومات بكل بساطة بطعن هؤلاء الذين ينشدون قيام المجلس بدوره و مسؤولياته من محاربة انتهاكات حقوق الإنسان و مكافحة سياسة الإفلات من العقاب و منع حدوثها.
قامت السعودية علناً بتحمل دور جغرافي-سياسي و الذي يحمل بين طياته تهديدات بعيدة المدى ذات عواقب وخيمة على الشرق الأوسط ككل، و ذلك من خلال تأمين هذا النصر و الذي تحقق و أصبح ممكناً بفضل المساعدة المقدمة من قبل الدول الغربية.
و سمح هذا النجاح الديبلوماسي أيضاً للسعوديين بمواصلة تحدي المعايير الدولية لحقوق الإنسان بما في ذلك حرية الرأي و التعبير، التعذيب و إعدام القُصَر –في حالات كحالة رائف بدوي و علي النمر، و لنأخذ مثالاً واحداً: لماذا لا تعيد المملكة فتح ملفات ذات جدل قديم متعلقة ب "ازدراء الدين" و التي من خلالها حاولت هي إلى جانب حلفائها الإقليميين بفرض قيود على حرية التعبير على أسس دينية معترف بها في القانون الدولي؟
يمكن للمرء هنا بسهولة قياس ما هو على المحك بعد هجمات 7 يناير 2015 في باريس.
وقد وُضعت الكثير من الأسباب لفهم سلوك الدول الغربية منها: تجنيب السعوديون الذين يشعرون بالغضب من التقارب بين إيران و الغرب، إلى جانب الحفاظ على علاقات وثيقة مع حليف وثيق في الأزمة السورية، و بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب، و إبقاء الأسواق الاقتصادية مفتوحة (ألم تقم فرنسا للتو بصفقة مع الرياض تساوي 11 بليون يورو؟) الخ...
كلها خداع.
و فيما يتعلق بحقوق الإنسان؟
كلها يتم ذكرها في الحواشي ك "تم نقل الرسالة بطريقة أكثر فاعلية من وراء الكواليس" و "ينبغي على المرء ألَا يكون في مواجهة".
و النتيجة هي رسالة تقشعر منها الأبدان تصل للمجتمع الدولي و العالم العربي: الضحايا لا قيمة لهم! و السعودية في الواقع محصَنة من الانتقاد الدولي لذا فهي تستطيع القيام بما تشاء و بما تراه مناسباً لمنطقة الخليج بما في ذلك ارتكاب ما قد يوصف بجرائم حرب. شهدنا هذا مرة أخرى في 26 أكتوبر بعد تفجير مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود في منطقة صعدة باليمن، و ما هو أسوأ هو عِلم السعوديين بمقدرتهم على التلاعب بهيئات الأمم المتحدة لتعزيز افلاتهم من العقاب و في نهاية المطاف اضعاف النظام الدولي لحقوق الإنسان.
و مع ذلك، فإن النظام السعودي تحت أقل المقادير هو الحاضنة الفكرية للإرهاب في أنحاء العالم و يستخدم أساليب مشابهة لتلك التي تستخدمها داعش لإسكات أي شكل من أشكال المعارضة، ففي الحالات التي ذُكرت سابقاً: كحالة رائف بدوي الذي حُكم عليه بعشر سنوات سجن بالإضافة إلى ألف جلدة و ذلك لتعزيزه (حوار بين الأديان)، و كذلك علي النمر الذي سيتم قطع رأسه و تركه ليتعفن خارجاً لقيامه بالتظاهر و هو في السابعة عشر من عمره.
فظائع النظام لا تعد و لا تحصى، فأي نوع من الرسائل ستنقلها الدول الغربية عندما تدَعي السعودية و بشكل قطعي بنائها لمكانة دبلوماسية و متى ستقوم الدول الغربية بإرسال رسائل لا "خلف الكواليس" بل في دائرة الضوء؟
إن حصيلة الضحايا المدنيين في اليمن تجاوزت الآن حصيلة الضحايا في صراع غزة، و قد ضُربت مواقع التراث العالمي و تدمَرت، و في كل أسبوع تردنا أهوال جديدة: هنا تفجير حفل زفاف و هناك قصف لمستشفى.
إن الحرب القذرة التي تقودها التحالف السعودي لا يمكن لها السماح بأن تستمر كتجارة أو صفقة ما كما المعتاد.
العدالة أصبحت تصرخ!
و الحكومات الديمقراطية عليها أن تشرح لمواطنيها كيف سمحت للعار بأن يسود في تاريخ 2 أكتوبر عندما ضمنت السعودية نصرًا كاملاً في الجسم الرئيسي للأمم المتحدة المكلَف بحقوق الإنسان؟ على الحكومات تلك أيضاً أن تصلح الأضرار و ذلك عبر الالتزام بتعزيز النهج المبدئي لصالح التساؤلات الدولية كلما كانت هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن هناك جرائم حرب تُرتكب أيًا كان المسؤول عنها.
هذا أقل ما تستطيع هذه الدول فعله للضحايا و لمنظمة وصل عمرها للتو سبعون عاماً.