فلا يمكن للمرء أن يتجاهل الحقيقة بأن اجتماع القمة المقبل بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي سينعقد وسط موجة جديدة من التهديدات ضد المجتمع المدني الخليجي. إن الحريات الأساسية وعلى وجه الخصوص، حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات في هذه المنطقة أصبحت مهددة بشكل متزايد. فهناك توجه حاليا في هذه المنطقة نحو استخدام السلطة القضائية بطابع سياسي لخلق قضايا كاذبة و / أو توجيه التهم ذات دوافع سياسية ضد الناشطين و في معظم الحالات ترتبط بحظر السفر. ففي الإمارات العربية المتحدة، تم اعتقال عدد من أعضاء "جمعية الإرشاد والإصلاح الاجتماعي" وهي منظمة سلمية إسلامية سياسية تدعو إلى الإصلاح، من قبل قوات الأمن في مارس وأبريل ومايو 2012. فيبدو ان هذه الاعتقالات تمت لانتماء هؤلاء الأشخاص لجمعية الأصلاح وعملهم المشروع في مجال حقوق الإنسان وخاصاً لندائهم المتكرر للإجراء الإصلاحات في الإمارات العربية المتحدة. وقد وقع العديد منهم على عريضة يوم 13 مارس 2011 موجهة ألى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة والتي دعت إلى إجراء إصلاحات في السلطة التشريعية بما في ذلك أجراء انتخابات سليمة للمجلس الوطني بالإضافة ألى السماح للمجلس بأداء عمله بكامل الصلاحيات. وهناك أيضاً العديد من حالات الاعتقالات وسحب الجنسية والترحيل والمضايقات ضد النشطاء من بينهم هؤلاء الذين نددوا بالتمييز ضد الأشخاص عديمي الجنسية. أما في سلطنة عمان، منذ نهاية شهر مايو الماضي، استهدفت الموجة الأخيرة من الاعتقالات التعسفية النشطاء في نطاق عملية منظمة معلنة من قبل النائب العام من أجل إسكات قادة الرأي العام الذين يطالبون بالإصلاحات الاجتماعية على شبكات التواصل الاجتماعي. أما في المملكة العربية السعودية، تم استهداف عدد متزايد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان من خلال قضايا في المحاكم. ففي أبريل الماضي، تم الحكم على السيد محمد البجادي وهو عضو مؤسس للجمعية غير المرخصة "الجمعية السعودية للحقوق السياسية والمدنية"، بأربعة أعوام في محاكمة غير عادلة وسرية بالإضافة إلى قرار منع للسفر لمدة 5 أعوام. كما يتم محاكمة ثلاث أعضاء آخرين من نفس الجمعية في الأسابيع الماضية باتهامات عديدة كلها متعلقة بنشاطهم في حقوق الإنسان.
إن هذه الحالات أكثر دلالة على الوضع في البلدان المذكورة أعلاه حيث ما زال المجتمع المدني المستقل يواجه القمع. بالإضافة إلى هذا، إن القمع متواصل على نطاق واسع في البحرين، حيث تم أعتقال السيد نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان و مدير مركز الخليج لحقوق الإنسان و نائب الأمين العام للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، مرة أخرى منذ 6 يونيو، وسوف يمثل أمام المحكمة في 24 و27 حزيران على أساس اتهامات كلها متعلقة بحرية التعبير عن الرأي [1].فتأتي المضايقة القضائية ضد السيد نبيل رجب ضمن سياق حملة مكثفة ضد النشطاء بمن فيهم من المدافعون عن حقوق الإنسان والمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية وقطاعات كاملة من الشعب.إن التهديدات الأخيرة التي أدلت بها وسائل الإعلام الموالية للحكومة والتي كررها وزير الداخلية البحريني ضد أفراد المجتمع المدني الذين شاركوا في الاستعراض الدوري الشامل للبحرين بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في نهاية شهر مايو الماضي تؤكد هذا التوجه من الحكومة [2]. وعلاوة على ذلك، شهدت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان خلال بعثتها إلى البحرين في أبريل 2012 القمع للمظاهرات السلمية من قبل قوات الأمن والاستخدام المفرط و السيئ للغاز المسيل للدموع [3]، كما جرت أحداث مشابهة مرة أخرى في نهاية الأسبوع الماضي.
تشيد الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بذكركم الخاص لحالة السيد نبيل رجب في مداخلتكم الأخيرة أمام البرلمان الأوروبي ومع ذلك فإننا نعتقد أنه ينبغي بذل المزيد من الجهود وأن حان الوقت للاتحاد الأوروبي أن يناقش الوضع المتدهور في دول مجلس التعاون الخليجي في القمة المقبلة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي.
في نهاية نيسان الماضي،رافقت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وفد من المدافعين عن حقوق الإنسان من الخليج إلى بروكسل لتقديم شهاداتهم أمام مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء. ففي هذه المناسبة، الدكتورة ندى ضيف وهي واحدة من الأطباء الذي تمت محاكمتهم في البحرين بسبب معالجتهم للمتظاهرين المصابين [4]، أوضحت إلى مجلس الاتحاد الأوروبي للشرق الأوسط\مجموعة عمل الخليج الحاجة إلى تجاوز الدبلوماسية الصامتة. كما أشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يعطي رسالة واضحة لضرورة الوقف الفوري لأعمال العنف والتهديدات الموجهة ضد المجتمع المدني، وإطلاق سراح السجناء السياسيين وضرورة المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك من خلال اتخاذ إجراءات ملموسة في مجال العقوبات الموجهة وحظرا شاملا على السلاح والمناقشات على مستوى عال مع دول مجلس التعاون الخليجي الشركاء في الاتحاد الأوروبي.
وقد ذكرتم في القمة الأخيرة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في العام الماضي ان "التطورات الأخيرة في شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية هي دليل واضح على الحاجة إلى توثيق الحوار بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي" [5]. كما ذكرالإعلان المشترك أن الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي "وافقوا على تحديد السبل الممكنة لإقامة تعاون في مجال حقوق الإنسان” [6]. على الرغم من هذه التصريحات، تأسف الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان لأن في السنوات الماضية في القمم السابقة دارت المناقشات حول دور مجلس التعاون الخليجي في قضايا البلاد العربية بشكل عام بدلا من مناقشة الوضع داخلي في دول مجلس التعاون الخليجي. على سبيل المثال في قمة العام الماضي، تجاهلت المناقشات تورط قوات أمن دول مجلس التعاون الخليجي في قمع الاحتجاجات في البحرين، على الرغم من الإدانة المتكررة من البرلمان الأوروبي لهذا التدخل.
وفي عدة مناسبات، أشار الاتحاد الأوروبي باستعداده لتقديم الدعم والخبرة لدول مجلس التعاون الخليجي في الجهود التي تبذلها من أجل توثيق التعاون بين أعضائه الستة. فيجب وضع احترام الحقوق الأساسية في قلب نموذج الاتحاد الأوروبي باعتباره واحدا من الأهداف الرئيسية لسياسته الداخلية والخارجية. فإن القمة المقبلة تمثل فرصة للاتحاد الأوروبي إلى إشراك دول مجلس التعاون الخليجي إلى اتخاذ التزامات ملموسة لضمان احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ولا سيما فيما يتعلق بحرية التعبير وحرية التجمع والحق في التظاهر السلمي و مكافحة جميع أشكال الإفلات من العقاب، وضمان استقلال القضاء والحق في محاكمة عادلة.
وعلاوة على ذلك،تحث بشدة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان الاتحاد الأوروبي للبدء في عملية التفكير في بنية الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي التي من شأنها أن تدمج التوصيات التالية:
- ينبغي أن يشمل الاقتراح لتعزيز الحوار السياسي بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي حوار مفتوح ودوري مبني على حقوق الإنسان. يجب ان يكون حوار حقوق الإنسان مفتوحاً للمجتمع المدني ويهدف ألى وضع التزامات محددة زمنياً من قبل الدول الأطراف في شكل معايير يتم متابعة تنفيذها بشكل منظم.كما يجب ان تدار مشاورات منظمة بين الاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة لدي دول مجلس التعاون الخليجي قبل الاجتماعات الرسمية من أجل أن تأخذ في اعتبارها تقييم وضع حقوق الإنسان: كما يجرى في تقارير الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة.
- بالإضافة إلى فتح فصل جديد لحقوق الإنسان لوضع الأرضية لحوار حقوق الإنسان،فإن استعراض برنامج العمل المشترك بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي يجب أن يدمج ضمانات حقوق الإنسان في الفصول الأخرى ذات الصلة، وذلك تمشيا مع المادة 21 من معاهدة لشبونة و استراتيجية الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان. على وجه الخصوص، ينبغي أن نشير ألى النقطة الثانية الخاصة بالاستثمار، فيجب أن تدمج جوانب المسؤولية الاجتماعية للشركات، وذلك تمشيا مع اتصالات المفوضية الأوروبية بشأن المسؤولية الاجتماعية للشركات. كما ينبغي أن تشمل النقطة 3 حول التعاون التجاري بالسماح بإدراج بند لحقوق الإنسان وآلية للمراقبة التفصيلية. كما ينبغي أن تشمل نقطة 10 على الاتصالات السلكية واللاسلكية ومركز التجارة الدولية لكي تشمل ضمانات ملموسة فيما يتعلق بحرية التعبير.
- ينبغي أن يكون التقدم في مفاوضات اتفاق التجارة الحرة مشروط بحلول نتائج ملموسة في إطار هذا البرنامج كما ينبغي مناقشة إدراج بند فعال لحقوق الإنسان وينبغي أن يرجع بند حقوق الإنسان إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وأن تنفذ في جميع مراحل الحوار السياسي بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. كخطوة أولى، ينبغي للأطراف وضع استراتيجية مشتركة للتنفيذ العملي لالتزاماتهم المشتركة في هذا المجال وينبغي أيضا وضع بند عن ضمانات حقوق الإنسان للمهاجرين.
- يجب على الاتحاد الأوروبي أن يرصد بدقة إنشاء مؤسسات حقوق الإنسان على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي لضمان أنها تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان كما يتعين على الاتحاد الأوروبي إعادة التأكيد على عالمية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة وتشجيع أي مؤسسة حقوقية في الخليج لتسهيل الإصلاحات التشريعية الوطنية في هذا السياق.كما يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يطالب بإعداد المتابعة لخطط عمل طموحة واستراتيجيات للدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيزها في المنطقة بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
- أخيرا، تدعو الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان الاتحاد الأوروبي على دعم المدافعين عن حقوق الإنسان سياسياً ومادياً في دول الخليج بما في ذلك من خلال الآلية الأوروبية للديمقراطية وحقوق الإنسان و أيضاً من خلال دورا أكثر نشاطا لوفد الاتحاد الأوروبي في الرياض و سفارات الدول الأعضاء في دول الخليج.
نأمل أن يتم نقاش هذه العناصر في القمة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي،