23 أيار/مايو 2025
في 14 أيار/مايو 2025، أصدرت هيئة الإعلام الأردنية قرارًا بحجب ما لا يقل عن 12 موقعًا إلكترونيًا، غالبيتها منصات صحفية مستقلة. صدر القرار دون إعلان رسمي تفصيلي، واكتفت الجهات المختصة بتبريرات عامة عبر وسائل الإعلام، باستخدام عبارات فضفاضة من قبيل "بث السموم الإعلامية" و"استهداف الرموز الوطنية"، دون تحديد الوقائع أو الأدلة التي استندت إليها الهيئة أو الجهات الأمنية. ولم يُتح للمواقع المتضررة أي مسار للطعن أو المراجعة أمام جهة قضائية مستقلة، ما يثير مخاوف جدية تتعلق بانعدام الضمانات القانونية والإجرائية.
تُدين المنظمات الموقعة هذا الإجراء باعتباره انتهاكًا مباشرًا للمادة (15) من الدستور الأردني، التي تنص على أن "تكفل الدولة حرية الرأي"، ولكل أردني أن يُعبّر بحرية عن رأيه "بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير"، ضمن حدود لا يجوز تفسيرها على نحو تعسفي أو مسيّس. كما يُعد هذا القرار خرقًا للمادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن الحق في حرية التعبير، بما في ذلك حرية التماس وتلقي ونقل المعلومات، وهي التزامات دولية صادق عليها الأردن منذ عام 1975، ويتعيّن عليه احترامها في القانون والممارسة.
تؤكد المعايير الدولية، كما ورد في التعليق العام رقم 34 الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، أن أي تقييد لحرية التعبير لا يكون مشروعًا إلا إذا استوفى ثلاثة شروط متلازمة: أن يكون منصوصًا عليه في قانون واضح ودقيق، وأن يخدم هدفًا مشروعًا، وأن يكون ضروريًا ومتناسبًا. ولا يتضح أن القرار الأردني بالحجب قد استوفى أيًا من هذه الشروط.
تُظهر الوقائع المحيطة بالحجب أن التوقيت مرتبط مباشرة بنشر محتوى صحفي استقصائي تناول شبهات تتعلق بإدارة عمليات إيصال المساعدات إلى قطاع غزة عبر الأردن، وما أُثير من مزاعم حول تحصيل مبالغ مالية من قِبل مؤسسات رسمية. وقد تلا نشر هذه التقارير حملة تشكيك وتشويه ضد وسائل الإعلام المعنية، ثم تدرجت القيود التقنية من صعوبات في الوصول إلى بعض المواقع، وصولًا إلى الحظر الكامل يوم 14 أيار/مايو. هذا التسلسل الزمني يدفع إلى التشكيك في أن القرار استند إلى عملية قانونية حيادية، ويعزز من فرضية أن الحجب كان ردًا سياسيًا يهدف إلى خنق تحقيقات صحفية محرجة. وحتى تاريخ اليوم، لا توجد أي مؤشرات على أن القضاء كان طرفًا في إصدار القرار أو مراجعته أو المصادقة عليه، كما لم تُوفّر آليات للطعن أو المراجعة القضائية المستقلة.
كما أن التصريحات الصادرة عن مسؤولين رسميين، والتي اتهمت المواقع المحجوبة ببث أخبار كاذبة، تُظهر انعدام أي مسار إجرائي يسمح لهذه الوسائل بالرد أو الدفاع عن نفسها. لا توجد دلائل على وجود مراجعة قضائية مستقلة لقرار الحجب، ولا تم الإعلان عن أسماء المواقع المحجوبة رسميًا أو الأسس القانونية التي تم بموجبها اتخاذ القرار.
في السياق ذاته، يُستخدم قانون الجرائم الإلكترونية رقم 17 لسنة 2023 كأداة مركزية في تقييد الحريات الرقمية في الأردن، من خلال مواده الفضفاضة التي تمنح الجهات الإدارية والأمنية سلطات واسعة لحجب المواقع واعتقال الأفراد على خلفية تعبيرهم الرقمي. وقد شهدت الفترة ذاتها احتجاز عدد من الصحفيين والمحللين السياسيين بسبب منشوراتهم، بما يعكس تصاعدًا في توظيف هذا القانون لتجريم التعبير السلمي ومراقبة النشاط الرقمي، بعيدًا عن أي رقابة قضائية فعالة.
تمتد آثار هذا القرار إلى ما هو أبعد من قطاع الإعلام، ليطال الفضاء العام بأكمله. فوسائل الإعلام المستقلة تُشكّل جزءًا حيويًا من البنية التحتية للفضاء المدني، ومصدرًا رئيسيًا للرقابة المجتمعية وتكوين الرأي العام. وعندما تُقيّد الدولة الوصول إلى المعلومات وتُحاصر المنصات المستقلة، فإنها فعليًا تُضعف القدرة العامة على النقاش، والمساءلة، وصياغة المواقف الجماعية. إن تآكل حرية الإعلام يُنذر بتراجع أوسع في المساحات المتاحة للعمل المدني، ويقوّض مبدأ المشاركة السياسية والاجتماعية القائمة على الوعي والمعلومة.
هذه الممارسات تُعبّر عن سياسة رقابية ممنهجة، تتجاوز مجرد تنظيم الإعلام، وتستهدف احتكار السردية العامة، والحد من أي محاولة لإنتاج معرفة مستقلة أو تداول معلومات خارج القنوات الرسمية. إن الحجب الجماعي، خارج أي مسار قانوني واضح، لا يشكل فقط انتهاكًا للحقوق الأساسية، بل أيضًا تقويضًا لثقة الجمهور بالإعلام والمؤسسات، ويؤدي إلى بيئة معادية للعمل الصحفي، تُدفع فيها المؤسسات الإعلامية إلى الرقابة الذاتية أو الإغلاق. ما يحدث يشكّل انتهاكًا مباشرًا لالتزامات الأردن الدولية، لا سيما تلك المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع السلمي.
تدعو المنظمات الموقعة الحكومة الأردنية إلى:
• التراجع الفوري عن قرار حجب المواقع الإلكترونية، ورفع الحظر عن جميع المنصات المتضررة دون قيد أو شرط.
• نشر مبررات قانونية علنية لأي إجراء تقييدي يمس حرية التعبير أو الوصول إلى المعلومات، مع ضمان الشفافية الكاملة.
• إتاحة مسار قانوني فعّال للطعن على قرارات الحجب، أمام جهة قضائية مستقلة، وفقًا للمعايير الدستورية والدولية، وتفعيل الضمانات المنصوص عليها في المادة (100) من الدستور الأردني بخصوص استقلال القضاء.
• إجراء مراجعة شاملة لقانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023، من خلال عملية تشاركية شفافة تضم منظمات المجتمع المدني، والجهات الإعلامية، وخبراء القانون، بهدف إعادة صياغة النصوص التي تُستخدم لتقييد الحريات، وضمان توافق القانون مع الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان، لاسيما المادة (19) من العهد الدولي، والمادة (14) منه التي تكفل الحق في محاكمة عادلة.
تؤكد المنظمات أن احترام حرية الصحافة والتعددية الإعلامية لا يتعارض مع سيادة القانون، بل يُعد شرطًا أساسيًا لها. لا يمكن مواجهة التضليل بالحجب، ولا بناء الثقة بالمجتمع عبر إقصاء المنابر المستقلة. بل يتحقق الاستقرار من خلال بيئة إعلامية حرة، مفتوحة، ومحمية قانونيًا، تضمن الحق في النقد والمحاسبة، وتدعم جهود الصحفيين في كشف الحقيقة، لا إسكاتها.
بيان مشترك: قرار حجب المواقع الإخبارية في الأردن انتهاك جسيم لحرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات

Bank Phrom