رسالة مفتوحة موجهة من الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، إلى أعضاء اللجنة الملكية الأردنية لتعديل الدستور

10/08/2011
البيانات الصحفية
ar en

5 تموز/يوليو 2011

حضرات أعضاء اللجنة الملكية لتعديل الدستور

تعرب الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، عن ترحيبها بمبادرة الملك عبدالله الثاني بتشكيل لجنة ملكية لتعديل الدستور، وذلك بهدف التقدم نحو إرساء ديمقراطية قائمة على احترام الحقوق. وتناشد المنظمات الثلاث اللجنة الملكية أن تقوم بعملها وفق أسلوب يشمل الكافة، بما في ذلك استشارة المجتمع المدني بشأن جميع القضايا المطروحة.

وتوصي منظماتنا اللجنة الملكية بالاستجابة للمطالبات التي أعرب عنها الأردنيون لتعزيز احترام الحقوق في دولة تلتزم بسيادة القانون وتحمي الديمقراطية التعددية وحقوق الإنسان.

توفّر المناقشات الحالية بشأن تعديل الدستور فرصة فريدة لتعزيز حقوق الإنسان. وينبغي أن تكون إحدى نقاط الانطلاق الأساسية التأكيد الدستوري على أن التزامات المملكة بموجب الاتفاقيات الدولية لها الأسبقية على القانون المحلي، وهو ما أكده حكم قضائي صدر في الأردن. إن من شأن مثل هذا التأكيد في الدستور أن يشجع القضاة والمدعين العامين وضباط إنفاذ القانون والمحامين أن يشيروا في الإجراءات القضائية إلى مواد القانون الدولي، وبصفة خاصة قانون حقوق الإنسان. وكان قضاة أردنيون قد أشاروا في بعض القضايا إلى قانون حقوق الإنسان الدولي، مثلا اتفاقية حقوق الطفل، إلا أنه لا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به لتعزيز انسجام الإجراءات القضائية مع الالتزامات الدولية. علاوة على ذلك، فإن من شأن تضمين الدستور بمبدأ أسبقية الاتفاقيات الدولية على القانون المحلي أن يشجع إجراء تعديلات على القانون المحلي وتوجيهها من أجل ردم الفجوات القائمة فيه مع قانون حقوق الإنسان الدولي وإزالة التناقضات مع القانون الدولي.

ينبغي أيضاً تعديل الدستور كي يتضمن مبادئ قانونية أساسية أخرى لها تأثير مهم على حقوق الإنسان. ومن بين المجالات التي تتطلب تحسيناً هي توسيع انطباق أحكام الدستور على جميع الأشخاص الخاضعين للولاية القضائية الأردنية، بما في ذلك غير الأردنيين – وذلك حسبما يتطلب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – فيما عدا حقوق سياسية معينة، مثل بعض الحقوق المرتبطة بالمشاركة في الشؤون العامة. وينبغي ألا يكون هناك أي تمييز، على سبيل المثال، في الحق في حرية التعبير بين الأردنيين وغير الأردنيين القاطنين في المملكة. ومن المجالات المرتبطة الأخرى، هو الحق بعدم التمييز والمساواة أمام القانون، إذ أن عدم التمييز استنادا إلى الجنس أو العرق أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي هو مبدأ أساسي أقر به الأردن عبر التزاماته الدولية. ومن شأن وضع مادة دستورية تكرّس عدم التمييز كمبدأ في القانون المحلي أن يخدم النساء بصفة خاصة اللاتي يعانين من وضع دوني بموجب القوانين الأردنية الحالية، ومنها على سبيل المثال، قانون الأحوال الشخصية، وتمرير الجنسية من الأمهات إلى أطفالهن.

وتناشد منظماتنا لجنتكم الموقرة أن تعزز في مواد الدستور الحق بحرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع السلمي، وذلك من خلال إزالة القيود الحالية على تلك الحقوق بموجب القانون المحلي والتي تتجاوز القيود التي يسمح بها القانون الدولي. فالقانون الدولي لا يسمح سوى بقيود محددة على نحو ضيق على تلك الحقوق، وبما ينسجم مع القانون وما هو ضروري في مجتمع ديمقراطي لأسباب نابعة من الأمن القومي أو السلامة العامة والنظام العام وحماية الصحة العامة والآداب العامة، أو لحماية حقوق وحريات الآخرين. إن القوانين المحلية الأردنية تقوض تلك الحقوق الثلاثة على نحو كبير، ومن شأن تأكيد دستوري أقوى لتلك الحقوق أن يوفر أساساً لمراجعة القوانين المحلية وتعديلها.

وعلى سبيل المثال، تواصل مواد قانون العقوبات تجريم التشهير المستند إلى مخالفات غامضة الصياغة وفضفاضة ضد أمن الدولة. فمثلاً، تنص المادتان 188 و 199 من قانون العقوبات الأردني على فرض عقوبات جنائية على ممارسة التعبير الذي يُعتبر أنه ينطوي على تشهير بالملك وأسرته والمسؤولين الحكوميين، وضد غير الأفراد مثل العلم الوطني والجيش والقضاء والمؤسسات الحكومية. كما تجرّم المادتان 188 و 150 من قانون العقوبات ممارسة التعبير الذي يُعتبر أنه يضر بعلاقات الأردن مع دول أخرى أو يثير الخلافات الطائفية. يجب ألا يوجد تجريم لممارسة التعبير، فيما عدا التعبيرات التي تحرّض على العنف تحريضا مباشراً.

وفي حين يشكل قانون التجمعات العامة المعدّل والمعروض على البرلمان تحسنّا مقارنة مع القانون السابق، إلا أنه لا يزال يستخدم تعريفات فضفاضة "للتجمعات العامة" ويصفها بأنها أي اجتماع تجري فيه مناقشة السياسات العامة، حتى في المجال الخاص. أما التغيير المقترح للقانون في لعام 2011 فيستبدل الالتزام بالسعي للحصول على موافقة لعقد الاجتماعات العامة بالتزام بإشعار السلطات بعقد مثل هذه الاجتماعات قبل يومين من عقدها. وكونه من الصعب إشعار السلطات مسبقا حتى بالاجتماعات الخاصة التي تجري فيها مناقشة الشؤون العامة، فإن القانون يواصل منح السلطات الحق بفض مثل هذه الاجتماعات وملاحقة منظمي الاجتماع أمام القضاء، مما يقوض الحق بالتجمع السلمي.

وتجرّم المادة 164 من قانون العقوبات التجمعات السلمية المكونة من سبعة أشخاص أو أكثرعندما يكون هدف الاجتماع هو ارتكاب جريمة أو "إقلاق النظام العام"، وهو مفهوم معرّف على نحو غامض في القانون الأردني.
أما قانون الجمعيات الخيرية لعام 2008 والمعدّل في عام 2009، فيفرض قيودا مشددة على منظمات المجتمع المدني، ويمنح الحكومة سلطات مفرطة للتدخل في نشاطات المنظمات غير الحكومية. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن يوافق رئيس الوزراء على تلقي أي منظمة غير حكومية لتمويل أجنبي؛ كما تتمتع الحكومة بسلطة حل المنظمات غير الحكومية أو استبدال إدارتها بأشخاص تعينهم الحكومة، كما يبيح لها القانون الوصول إلى الوثائق الداخلية، بما في ذلك محاضر الاجتماعات والوثائق المالية.

كما نناشد اللجنة أن تضمّن الدستور حظرا صريحا على ممارسة التعذيب وإساءة المعاملة بما ينسجم مع اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وكان الأردن قد فرض في عام 2008 عقوبة على ممارسة التعذيب، ولكنه لم يفرض عقوبة على إساءة المعاملة والمعرّفة بأنها المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

ونظراً لتكرار مزاعم ارتكاب التعذيب في الأردن، وإن يكن إلى درجة أقل خلال العامين أو الثلاثة السابقة، فإن من شأن نص دستوري يحظر التعذيب أن يرسل إشارة واضحة وأن يعزز قدرة القضاة والمدعين العامين على اجتثاث هذه الممارسة المحظورة.

كما أن من شأن إيراد نص دستوري لحظر الاختفاء القسري بما ينسجم مع إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري أن يقرّب القانون الأردني من الأعراف الدولية.

كما أننا نوصي بتضمين الدستور إشارات إلى الحق في العمل والتعليم والصحة والأمن الاجتماعي. فالدستور الحالي لا يشير سوى إلى الحق بالعمل، ولكن الالتزامات الدولية على الأردن بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحمل في طياتها واجبات على الدولة من أجل الإعمال التدريجي لهذه الحقوق. ويمكن لنص دستوري بهذا الشأن أن يوجّه المشرعين والمسؤولين الرسميين نحو سن قوانين وسياسات محددة لتطبيق هذه الحقوق.

تنظر لجنتكم حاليا بتغييرات دستورية وردت في توصيات لجنة الحوار الوطني بشأن سن قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات.

ونحن نرحب بالتغيير المقترح لتأسيس هيئة انتخابية مستقلة خاضعة لإشراف قضائي، كما أننا نحثكم على تضمين الدستور إشارة إلى الحق الدولي بإجراء انتخابات دورية وحرة ونزيهة. وفي الوقت الحالي، فإن نزاهة الانتخابات غير مضمونة على نحو كافٍ، ولا سيما وأن أصوات المقترعين غير متساوية فيما بين الدوائر الانتخابية، إذ أن الدوائر الانتخابية تتضمن تفاوتا شديدا في أعداد الناخبين. وكانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والتي تراقب التزام الدول بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية قد فسّرت الحق بالمشاركة في الشؤون العامة بأنه توفير المساواة بين أصوات الأفراد: "إن وضع حدود الدوائر الانتخابية وأسلوب تخصيص الأصوات يجب ألا يفضي إلى تشويه توزيع المقترعين أو أن يؤدي إلى تمييز ضد أي جماعة كما يجب ألا يؤدي على نحو غير معقول إلى إقصاء أو تقييد حق المواطنين في الاختيار بحرية بين المرشحين". (التعليق العام رقم 25 بشأن المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).

وأخيراً، نحث اللجنة على تعزيز استقلال القضاء. ولتحقيق هذا الغرض، ينبغي على الأردن أن يلغي جميع المحاكم الاستثنائية التي يسمح بها الدستور الحالي. وإحدى هذه المحاكم، هي محكمة أمن الدولة، والتي يمكن لرئيس الوزراء أن يحيل أي قضية إليها والتي يشكل الضباط العسكريون معظم قضاتها، وهي تفتقر للاستقلالية. وكذلك محكمة الشرطة التي تحاكم أعضاء جهاز الأمن العام، بما في ذلك في حالة اتهامهم بالإساءة للمدنيين، مثل حالات قيام حراس السجون بضرب أحد المحتجزين. ويقوم رئيس الشرطة بتعيين مدعي عام هذه المحكمة وقضاتها، وجميعهم من جهاز الأمن العام. ومن الصعب المصالحة بين وجود هذه المحاكم وبين مبدأ استقلال القضاء، وهو مبدأ ضروري للالتزام بالحق في الحصول على محاكمة عادلة.

ومن شأن وضع ضمانات دستورية للمبادئ والحقوق الموصوفة أعلاه أن يصب في مصلحة الإصلاحات الديمقراطية في الأردن.
وبالتشاور مع منظمات المجتمع المدني، ينبغي للإصلاحات الدستورية أن تتضمن:

تكريس أسبقية قانون حقوق الإنسان الدولي على القانون المحلي؛

 تعديل الضمانات للحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات، والرجوع إلى قانون حقوق الإنسان الدولي في تحديد أية قيود على هذه الحقوق؛

 تكريس الحق في التعليم والصحة والأمن الاجتماعي والعمل بحسب ما هو معرّف بالقانون الدولي؛
 تعزيز العمليات الديمقراطية عبر إيراد ضمانات لنزاهة الانتخابات إضافة إلى تعزيز ضمان إجراء انتخابات حرة، مثل إقامة هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات؛

 تكريس حظر التعذيب بما في ذلك المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وحظر الاختفاء القسري؛
 ضمان المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء في جميع المجالات، بما في ذلك الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛

 تكريس مبدأ عدم التمييز استنادا إلى الجنس أو العرق أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الاجتماعي أو القومي، أو الملكية أو مكان الولادة أو أي وضع آخر، وذلك وفقاً لقانون حقوق الإنسان الدولي؛
 تكريس الالتزام بالمساواة في تمثيل الرجال والنساء في الهيئات السياسية والعامة، واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لتحقيق هذا الغرض؛

 تكريس تساوي جميع الأشخاص أمام القانون، وضمان استقلال القضاء دستورياً، بما في ذلك إلغاء جميع المحاكم الاستثنائية مثل محكمة أمن الدولة؛

 وضع ضمانات دستورية بشأن جميع الأشخاص الخاضعين للولاية القضائية الأردنية، فيما عدا بعض الحقوق السياسية.
نشكركم على وقتكم واهتمامكم
مع التحية والاحترام،

مارك شايد-بولسين
المدير التنفيذي
الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان

كريستوف ويلك
باحث متقدم
قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
منظمة هيومان رايتس ووتش

سهير بلحسن
رئيسة
الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان

أقرأ المزيد