القيم التي تمثلها أوروبا

17/09/2015
البيانات الصحفية
ar en es fa fr

مقال بقلم رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، كريم لاهيجي، نُشر في موقع Deutsche Welle بالإنجليزية، حول رد فعل أوروبا تجاه أزمة اللاجئين.

من المقرر أن يلتقي وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في 14 سبتمبر/أيلول في اجتماع استثنائي لمناقشة الحل الأوروبي لأكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. لقد أخفقت أوروبا مراراً وتكراراً في إظهار الشجاعة والمسؤولية اللازمتين لمواجهة الأزمة، التي تعد أكبر تحد للمنطقة. إذا أخفقت أوروبا يوم الاثنين مرة أخرى في الخروج برد فعل موحد وطموح، فهي إذن لن تترك آلاف المدنيين الأبرياء لمصيرهم فحسب، إنما سوف تتخلى أيضاً عن جوهر القيم التي تمثلها أوروبا.

يُقدر أن نحو 350 ألف شخص حاولوا بلوغ أوروبا عن طريق البحر على امتداد الشهور الثمانية الأولى من عام 2015، والأغلبية العظمى منهم فروا من النزاعات في سوريا وأفغانستان والعراق وليبيا، ومن الاضطهاد والعنف في أريتريا. لكن في حين يكافح جيران سوريا لاستضافة نحو 4 ملايين لاجئ، فإن دول الاتحاد الأوروبي – التي يبلغ إجمالي تعدادها السكاني 500 مليون نسمة – التزمت بكل فخر بتوطين 22 ألفاً لا أكثر من خارج أوروبا. في الاجتماع الأخير لوزراء داخلية الاتحاد الأوروبي الذي انعقد في يوليو/تموز، لم تكن الدول قادرة على الاتفاق على عرض المفوضية الأوروبية بتوطين 40 ألفاً من مداخل أوروبا الرئيسية، وهي إيطاليا واليونان، وأصرت على أن أي جهود توطين لابد أن تكون على أساس طوعي. منذ ذلك الحين، لم تُظهر أي من الدول الأوروبية التزاماً بالترحيب باللاجئين باستثناء ألمانيا والسويد.

في الخطة التي كشف عنها رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في خطابه السنوي للبرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي في ستراسبرغ، توقع الاضطرار لتوطين 120 ألفاً آخرين من اللاجئين في شتى أنحاء الاتحاد الأوروبي، استجابة للأزمة ولتخفيف العبء عن الدول التي يفد إليها اللاجئون أولاً. لكن ليس من الواضح إن كان حتى هذا المقترح – الذي لا يكاد يواكب تقديرات مفوضية شؤون اللاجئين الخاصة بإعادة التوطين في الفترة الراهنة – سيحظى بموافقة وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي.

لقد أبدت عدة دول في الاتحاد الأوروبي – لا سيما المجر والتشيك وسلوفاكيا وبولندا – معارضة قوية على مدار الأسابيع القليلة الماضية لأي مخطط توطين دائم. وثمة بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي – مثل المملكة المتحدة وأيرلندا والدنمارك – ستكون معفاة من مثل هذا المخطط.

في مواجهة هذه المأساة الإنسانية غير المسبوقة، فإن قضايا مثل تشديد الرقابة على الحدود وتصعيد جهود إعادة غير المكفولة لهم تدابير الحماية الدولية، وتحسين التعاون مع دول المنبع والعبور بغية احتواء الهجرة غير النظامية، تبدو أنها من القضايا المطروحة على أجندة الاتحاد الأوروبي. الحق أن الشيء الوحيد الذي يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي تتفق عليه هو المزيد من الأمن، إذ زادت كثيراً موارد وكالة الرقابة على الحدود الأوروبية، فرونتكس، وأطلقت البحرية العسكرية الأوروبية عمليات لاعتراض قوارب المهاجرين في البحر.

هناك أيضاً مقترحات أخرى تجتمع حولها الدول، وهي مقترحات قد تزيد من التضييق على فرص طالبي اللجوء في الحصول على اللجوء في أوروبا. ومن المقلق بشكل خاص خطة لإعداد قائمة بدول المنشأ التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي "آمنة" لصالح إجراء "تصفية" لمجموعات كاملة من الأفراد يُفترض أنهم غير مستحقين للجوء. بعض الدول المرشحة لهذه القائمة، مثل كوسوفو وتركيا، تستمر في المعاناة من الانتهاكات الجسيمة والمتفشية لحقوق الإنسان.

مع استمرار النقاش والخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي حول طبيعة ومستوى الرد، تكشف صور وعناوين مؤلمة عن أوروبا يواجه فيها الرجال والنساء والأطفال الهاربين من الحرب والاضطهاد المزيد من المعوقات والعدوانية بدلاً من الحصول على الحماية التي يستحقونها. الأجساد المتراكمة على الشواطئ الأوروبية، الغرقى في قوارب رثة لا تحتمل الإبحار، المتكومون في الشاحنات وفي مخيمات مؤقتة... يضطر كل هؤلاء لاحتمال ظروف لاإنسانية في انتظار مراجعة طلبات لجوؤهم أو الانتقال إلى بلد أوروبي آخر؛ وهو الحال الذي أصبح لسان حال أوروبا التي يبدو أنها فقدت بوصلتها.

وفي تناقض صارخ، تكاثرت مبادرات المجتمع المدني في شتى أنحاء أوروبا، كرد تلقائي على التحديات التي يبدو أن حكومات الاتحاد الأوروبي ليست مستعدة لها، ملقية الضوء على عدم تحرك الحكومات الأوروبية. هذه المبادرات ومَن هم خلفها تمثّل أوروبا أخرى، هي أوروبا ترفض أن تدير ظهرها للمعاناة الإنسانية والتزاماتها القانونية والأخلاقية، أوروبا مستعدة للحراك ولتعويض الوهن السياسي والأخلاقي لقيادتها السياسية.

أثناء اجتماع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين، عليهم أن يتبنوا القطيعة مع طريقة التعامل الضعيفة هذه التي اتسمت بها ردود الفعل الأوروبية حتى الآن، وأن يتبنوا استراتيجية مشتركة، حسبما أوصت مفوضية شؤون اللاجئين في وقت سابق هذا الأسبوع، ضمن أدلتها الإرشادية للتعامل مع أزمة اللجوء الأوروبية.

بادئ ذي بدء، على الاتحاد الأوروبي أن يفتح قنوات أكثر للدخول الآمن والقانوني إلى أوروبا، من أجل تقليص أعداد المضطرين للجوء إلى المهربين وإلى المخاطرة بحياتهم في البحر مع الافتقار لخيارات بديلة. يجب أن يشمل هذا منح التأشيرات وتسهيل لم شمل الأسر.

ثانياً، لابد من المشاركة في المسؤوليات. على جميع الدول أن تشارك في خطة دائمة لإعادة توطين اللاجئين عند تزايد أعدادهم على الحدود الأوروبية، ولابد من إعلان التزامات بتوطين أعداد أكبر.

إن نظام اللجوء الأوروبي يحتاج أيضاً للتنفيذ الفعال وأن يبدأ التحقيق في الانتهاكات المزعومة. نظام دبلن الذي يفرض مسؤوليات غير متناسبة فيما يخص التعامل مع طلبات اللاجئين على الدول التي يصلون إليها أولاً يحتاج إلى الإصلاح، بحيث تكون المسؤوليات موزعة حسب القدرة على استيعاب اللاجئين وليس على أساس الموقع الجغرافي فحسب. يجب أن يتم السماح لطالبي اللجوء باختيار الدولة التي يريدون تقديم طلب اللجوء فيها.

ولابد أن تقترن هذه المبادرات بجهود تدشين عملية بحث وإنقاذ حقيقية في البحر المتوسط، وجهود لمعالجة الأسباب الجذرية لأزمة اللجوء.

حان الوقت لكي تُعلي أوروبا قيمها المؤسسة بأن تعترف بإنسانية وكرامة من يخرجون في رحلات خطيرة ويخاطرون بأرواحهم لكي يصلوا إلى شواطئها، من خلال الإعداد لرد موحد وفعال يعالج مطالبات هؤلاء اللاجئين بالحماية والمساعدة. حان الوقت لكي تتوحد أوروبا ضد من يسعون لتحقيق أجندتهم المناهضة للديمقراطية والمكرسة لكراهية الأجانب والخوف منهم، وأن تقف إلى صف من يبدون التضامن ويفتحون أبوابهم للاجئين. حان الوقت لكي تُظهر أوروبا روح القيادة السياسية والأخلاقية وأن تعيد التأكيد بشكل كامل ونهائي على قيمها: الديمقراطية والكرامة الإنسانية، واحترام حقوق الإنسان في المقام الأول.

أقرأ المزيد