السودان: خطاب الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان إلى الرؤساء العرب في إطار القمة العربية المنعقدة في الدوحة

باربس, القاهرة
15 مارس \ أذار 2009
أصحاب السمو والفخامة
الملوك، الأمراء والروساء قادة الدول العربية

تحية الحق والعدالة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نخاطبكم، وعبركم، أعمال القمة العادية لجامعة الدول العربية المنعقدة اليوم بالعاصمة القطرية الدوحة. حيث ندرك مدى ثقل القضايا المطروحة على أجندة أعمالكم، والقرارات الهامة التي تنتظرها شعوب المنطقة العربية، وفي القلب منها الأوضاع الإنسانية بإقليم دارفور بالسودان وذلك على ضوء القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية في مواجهة السيد الرئيس السوداني عمر البشير.
فخامة القادة العرب،
لم يأتي قرار الدائرة الابتدائية رقم (1) بالمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة التوقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير عن جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية إلا بعد أن تيقن القضاة الى وجود أدلة كافية تؤكد مجموعة من الاتهامات التي تقدم بها المدعي العام عن الجرائم المقترفة بدارفور، وهي الجرائم التي راح ضحيتها حسب إحصائيات الأمم المتحدة نحو 300000 قتيل وتشريد ما يزيد عن 2.5 مليون شخص من مواطني دارفور. إن صدور مذكرة التوقيف في حق الرئيس السوداني يأتي تعبيرا تضامنيا عاليا مع ملايين الضحايا ممن عانوا من ويلات الانتهاكات المنهجية خلال الحرب المشتعلة بدارفور منذ العام 2003، مثلما يشير القرار الى أهمية محاربة ثقافة الأفلات من العقاب والتي نحن بأمس الحاجة لها في المنطقة العربية، بل وتشهد المنطقة العربية الأن مجموعة من التوجهات الايجابية نحو تعزيز العدالة الدولية مثلما حادث في طلب السلطة الفلسطينية من محكمة الجنايات الدولية التحقيق في الجرائم المرتكبة بغزة. و ننتهز هذه الفرصة بتشجشيع هذه الاتجاهات الايجابية نحو العدالة ودعوة الدول الأعضاء في الجامعة إلى المصادقة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
فخامة القادة العرب،
وأنتم تعقدون قمتكم اليوم وفي صدراة أجندتها مذكرة توقيف الرئيس السوداني تدركون أكثر من غيركم إن القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية لم يأتي من فراغ، مثلما لا يعبر فقط عن مبادئ وقيم وآليات العدالة التي أنجزتها البشرية لخيرها وللحد من جرائم تقشعر لها القلوب والأبدان. لقد كنتم ممثلين في الجامعة العربية من أول من دق ناقوس الخطر حول الأوضاع الانسانية وحقوق الانسان بدارفور بإيفادكم لأول بعثة لتقصي الحقائق هنالك منذ العام 2004. كما لايفوت عليكم أن الحكومة السودانية نفسها لم تنكر أن جرائم واسعة النطاق أرتكبت في دارفور، ووإن كانت تغالط في عدد الضحايا حيث إعترفت السلطات في أكثر من مناسبة بعشرة آلاف من الضحايا بدارفور، غافلة في ذلك أن عدد القتلى الذين انعقدت من أجلهم العدالة الدولية ممثلة في محاكم جرائم الحرب في البوسنة لا يصلون هذا الرقم. إن القرار الأخير الصادر من المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة الرئيس السوداني له خلفياته وسياقه في العمل من أجل العدالة. فالحكومة السودانية نفسها ومنذ مراحل مبكرة للأزمة شكلت لجنة وطنية لتقصي الحقائق لدارفور أعقبها تكوين عدد من المحاكم الخاصة وتعيين مدعي عام خاص بدارفور أكثر من مرة، ولكن في كل الحالات لم يكن ذلك الجهد مخلصا لأجل العدالة بقدرما لكسب الوقت و من ثم مزيد من الضحايا. إضافة لذلك فقد تعاونت الحكومة السودانية مع البعثة الأممية لتقصي الحقائق في 2004، مثلما تعاملت مع القرار 1593 الخاص باحالة الأوضاع بدارفور للمحكمة الجنائية الدولية بما فيها التعاون بعدها مع المحكمة في 2005 بمقابلة موفوديها وتسليمهم مجموعة من الوثائق، بل والسماح لهم باستجواب بعض المسؤولين. إن السودان، فخامة القادة العرب، ظل والى وقت قريب جزءاً من المحكمة الجنائية الدولية من خلال توقيعه على نظامها الأساسي في 8 سبتمبر 2000، وإبرامه لإتفاقيات تعاون دولية لإنفاذ قراراتها، بل حتى المشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية للدول الأعضاء حتى العام 2006، أي بعد إحالة الأوضاع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية.
فخامة القادة، الملوك والأمراء والروساء العرب،
أن مجهوداتكم من أجل إحلال السلام والعدالة في دارفور يجب أن تسير يد بيد، حيث لا سلام دون عدالة، فهما صنوان. فمثلما ينتظر ملايين الضحايا في دارفور الاستقرار والأمن والسلام، فهم(ن) كذلك لن يشفي غليل مآسيهم الا بعد رؤية مقترفي تلك الفظائع خاضعين لسلطة العدالة والقانون. إن القرار الأخير لمحكمة الجزاء الدولية وما يتضمنه من سيادة قيم العدالة والمحاسبة يعد أيضا نافذة للخروج من دائرة الثأر والإنتقام والعنف المتصل، ومن ثم فتح فرص السلام الاجتماعي والعدالة الانتقالية بالإقليم. ونحن إذ نخاطبكم مشددين وداعمين للعدالة الدولية ومذكرة التوقيف الاخيرة في حق الرئيس السوداني، نعتقد في إيمانكم ووقوفكم مع حقوق الضحايا وفي مواجهة مثل تلك الجرائم وأهمية المحاسبة عليها. ندعو قمتكم الموقرة، فخامة القادة الملوك والأمراء والروساء، أن تدعم وبكل السبل الممكنة قرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير. إن دعم جامعة الدول العربية للعمل الذي تقوم به المحكمة الجنائية الدولية في دارفور هو رسالة هامة في توقيت مهم أن القادة العرب يلتزمون جميعا، أخلاقيا قبل التزامهم السياسي، بوجوب التحقيق في الجرائم الخطرة وأهمية محاسبة من يثبت اتهامهم. أن دعمكم، فخامة القادة الملوك والأمراء والروساء، لمذكرة التوقيف وعدم تأجيل إجراءات محكمة الجزاء الدولية هو موقف أخلاقي وتاريخي يؤسس ويدعم مشروعية عملكم وعملنا من أجل وضع حد للأنتهاكات والإفلات من العقاب وسيادة حكم القانون.
فخامة القادة، الملوك والأمراء والروساء العرب،
إن دعمكم ودعم جامعة الدول العربية للعدالة الدولية سيكون علامة واضحة تؤكد على التزامكم بوضع نهاية للمآسي في دارفور وذلك بتحقيق السلام. إن دعمكم ودعوتكم للسودان للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية سيعزز ويضفي مزيدا من المشروعية لمجهوداتكم الحالية لتحقيق السلام. وندعوكم في هذا السياق على مواصلة العمل من أجل عملية حقيقية لتحقيق السلام في دارفور، ترتكز على الاعتراف بالحقوق المشروعة لأهل الاقليم، وفي القلب منها بالطبع قضية العدالة. فالمحادثات الأخيرة التي جرت بالدوحة بين الحكومة السودانية وحركة العدل و المساواة تعد فرصة لتوسيع مشاركة الجامعة العربية في عملية السلام، بما فيها إبتداركم وتواصلكم مع الحركات المسلحة من أجل توحيدها أو توحيد مواقفها التفاوضية وصولا للسلام، على أن تهتدي مبادرتكم هذه بمبادئ الشفافية والاستقلالية والشمول، فضلا عن ضمانها لمشاركة المجتمع المدني وعكسها لقضايا النساء من الناجيات من أعمال العنف في دارفور.

فخامة القادة العرب،
لستم بحاجة لتذكيركم بأوضاع الملايين من المواطنين(ات) السودانيين في دارفور ممن وجدوا أنفسهم(ن) يعيشون في مخيمات النزوح بعد إقتلاعهم(ن) من جذورهم(ن) ، وجدوا أنفسهم(ن) يعتمدون كلية على المنظمات الدولية الانسانية في توفير الغذاء والماء والصحة وذلك لما يزيد عن السنوات الخمس. الأن وبعد صدور مذكرة التوقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير يزداد خطورة وتعقيدا الوضع الانساني لهؤلاء الضحايا بعد أن قامت السلطات السودانية، في مسعى مواجهاتها ضد العدالة وإنتقاما من المجتمع الدولي، قامت بطرد 13 من المنظمات الرئيسية العالمية العاملة في توفير العون الإنساني لهولاء الضحايا. إن طرد هذه المنظمات، فخامة الملوك والأمراء والروساء، يخلف ورائه مايزيد عن المليون إنسان دون غذاء منتظم ونحو مليون ونصف شخص دون خدمات صحية، وما يزيد عن 250000 طفل خارج مدارسهم، جلهم كان معظم اعتمادهم فيما مضي من سنوات النزوح على هذه المنظمات الدولية. نتوقع منكم فخامة القادة العرب دعوة، بل والضغط على الحكومة السودانية، للتراجع عن قرارها بطرد المنظمات هذه، وأن تلتزم بإحترام القانون الدولي الإنساني وإتفاقياتها المختلفة بالسماح وتسهيل الوصول الآمن للمساعدات الإنسانية لمن هم(ن) في أشد الحاجة اليها في دارفور.
وإننا إذ ندعوكم، فخامة الملوك والأمراء والروساء العرب، على العمل من أجل إيقاف تدهور الوضع الإنساني المترتب على قرار طرد المنظمات المعروفة ذات التاريخ الإيجابي في المنطقة العربية، كذلك العمل على منع مزيد من التعقيد للظروف المعيشية للملايين من النازحين بدارفور بما يمثله من إنعدام للغذاء والماء والخدمات الصحية لهم(ن). وإذ ندعوكم بوضع هذه القضية في صدارة مداولات قمتكم، نلفت إنتباهكم وندعوكم ايضا الى دعوة الحكومة السودانية للتراجع عن سياساتها وممارساتها الأخيرة بالتضييق والهجوم على منظمات المجتمع المدني الوطنية والمدافعين(ات) عن حقوق الإنسان، خاصة ضرورة مراجعة قراراتها بحل ثلاثة من المنظمات الوطنية. وإذ نلفت انتباه فخامتكم الى ما تتعرض له منظمات المجتمع المدني السودانية نعبر ايضا عن قلقنا العميق من أن هذه الممارسات تهدد فيما تهدد إتفاقيات السلام السودانية ودستوره الإنتقالي، خاصه فيما يتعلق بالحقوق والحريات الأساسية وتهيئة المناخ للتحول الديمقراطي، وهو ما يمثل صمام الأمان الوحيد للسلام في السودان.
فخامة القادة، الملوك والأمراء والروساء القادة العرب،
في الختام، مثلما يتابع العالم- حكومات وشعوب- قمتكم هذه راصدا لمواقفكم وقرارات في هذه اللحظة حول المأساة الإنسانية في دارفور، كذلك ينظر لكم ملايين الضحايا من النساء والأطفال، الشيب والشباب في دارفور عما أنتم فاعلوه من أجلهم(ن) في قمتكم التاريخية هذه.

أقرأ المزيد