لقد قامت الحكومات المجتمعة في بيجين في 1995 بوضع خارطة طريق للقضاء على التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة، لكن الواضح في 2015 هو أن الإرادة السياسية اللازمة لترجمة تلك التعهدات إلى أفعال لم تزل غائبة. لم يمكن التطور فقط بطيء ولكن هناك أيضاً الارتكاس الجسيمة التي شهدتها بعض البلدان في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بحقوق المرأة.
إن الفدرالية تدعو الدول المشاركة في الدورة التاسعة والخمسين للجنة وضع المرأة، والتي ستبدأ أعمالها في 9 مارس/آذار في نيويورك، إلى الاعتراف بالمخاطر الجسيمة التي تتهدد حرية النساء والفتيات وحياتهن في الوقت الحاضر، والتعهد الجدي بإلغاء القوانين والممارسات التمييزية الباقية، واتخاذ إجراءات عاجلة لضمان الأمن والحرية للمدافعات والمدافعين عن حقوق المرأة.
|
ورقة موقف
باريس، 6 مارس/آذار 2015 ـ في التاسع من مارس/آذار تبدأ عملية بيجين + 20 المتمثلة في تقييم ما حدث من تقدم في المساواة بين النساء والرجال منذ تبني إعلان ومنهاج عمل بيجين قبل 20 عاماً. فعلى الرغم من خارطة الطريق التي وضعتها الحكومات في 1995 للقضاء على التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة، إلا أن الواضح في 2015 هو أن الإرادة السياسية اللازمة لترجمة تلك التعهدات إلى أفعال ما تزال غائبة. لم يمكن التطور فقط بطيء ولكن هناك أيضاً الارتكاس الجسيمة التي شهدتها بعض البلدان في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بحقوق المرأة.
لقد أكدت حكومات العالم أجمع، في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة والذي عقد في بيجين في 1995، أكدت أن "حقوق المرأة هي حقوق أساسية للإنسان". ولاحظت أنه "إذا كانت أوضاع المرأة قد تحسنت في مجالات هامة بعينها خلال العقد الأخير فإن التقدم المتحقق يتسم بالتفاوت، ويبقى انعدام المساواة بين الرجال والنساء، كما تبقى عقبات كبيرة، مما له عواقب وخيمة على رفاهية البشرية بأسرها". وبعد مرور 20 عاماً، تبقى تلك الملاحظة بدون تغير يذكر.
لقد تعهدت الدول في بيجين بضمان المساواة والقضاء على التمييز في مهلة 10 أعوام، أي قبل 2005. وفي 2015 تظل بعض القوانين التمييزية معمولاً بها في العديد من البلدان، ولا سيما في مجال الزواج والجنسية والوصول إلى الملكية والمواريث. وهكذا، وبفضل قوانين العائلة السارية في عدة دول، مثل بوركينا فاسو ومصر والغابون وإندونيسيا والمغرب والسنغال، يحق للرجال اتخاذ عدة زوجات. وقد اتسعت القائمة مؤخراً بتأثير الإصلاحات التشريعية في مالي في 2011، وفي كينيا في 2014. أما في أفغانستان والمملكة العربية السعودية وبوروندي وغينيا كوناكري ونيكاراغوا والسودان واليمن فإن القانون يفرض على النساء واجب الطاعة تجاه أزواجهن. ويحتوي العديد من التشريعات على أوجه للتمييز تتعلق بالسن القانونية للزواج، مثل القوانين المعمول بها في الكاميرون أو في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي عدد من البلدان، مثل البحرين أو لبنان، يمنع القانون المرأة من منح جنسيتها لزوجها الأجنبي أو أطفالها منه. وتظل القوانين المتعلقة بالوصول إلى الملكية والمواريث تمييزية في جميع بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث لا ترث المرأة إلا نصف نصيب الرجل، وكذلك في تشيلي. وفي إيران تعادل شهادة الرجل أمام القضاء شهادة امرأتين.
وقد عمل إعلان بيجين على إلزام الدول الموقعة بـ"منع كافة أشكال العنف الموجه إلى النساء والفتيات والقضاء عليها". لكن في 2015 يظل القانون الوطني للعديد من الدول قاصراً فيما يخص منع وقمع أشكال العنف الموجهة ضد المرأة، حيث لم تقم بلدان عديدة حتى الآن، ومنها لبنان وأرمينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج والغابون ومصر وهاييتي والنيجر، بتبني تشريعات تعاقب العنف الزوجي بالتحديد،. أما الاغتصاب الزوجي فلا عقاب عليه في جمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومصر، وهاييتي، والكاميرون، وساحل العاج، ولبنان، ومالي، والمغرب، والسنغال. وفي تونس يسمح القانون للمغتصب بالإفلات من أية عقوبة عند زواجه من الضحية القاصر. وفي مصر وسوريا ينص القانون على تخفيف العقوبة عن الرجل الذي يقتل زوجته باسم "العرض". وفي بلدان عديدة تقع جميع النساء والفتيات تقريباً ضحية لتشويه الأعضاء التناسلية، بغير تفعيل للإجراءات الضرورية للقضاء على تلك الممارسة، ففي الصومال تبلغ أعداد الضحايا 98% وفي غينيا 96% وفي جيبوتي 93% وفي مصر 91% وفي مالي 89%.
وفي العديد من أوضاع النزاع يتم استهداف النساء والفتيات، ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية وفي دارفور وفي جنوب السودان وأيضاً في الصومال، تظل جرائم الاغتصاب وغيرها من الجرائم الجنسية ترتكب على نطاق مهول. ولا تكاد الضحايا تجدن سبيلاً إلى العدالة، وهكذا يتمتع جلادوهن بإفلات تام من العقاب. أما الجماعات الأصولية، مثل داعش في العراق وسوريا، أو بوكو حرام في نيجيريا، فتروج لاستبعاد النساء والفتيات من الحياة العامة، وترتكب جرائم الاغتصاب والاسترقاق والتزويج القسري، وتمارس الاستعباد الجنسي.
وبحسب إعلان بيجين في 1995 فإن "إقرار السلام [...] لا ينفصم عن تعزيز حقوق المرأة، لأنها محرك أساسي للمبادرات وتسويات النزاعات وتعزيز السلام الدائم على كافة الأصعدة". وقد تأكدت هذه الحقيقة بتبني القرار رقم 1325 من جانب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأعيد التأكيد عليها في القرار اللاحق المتعلق بـ"المرأة والسلم والأمن". ومع ذلك فإن المرأة في 2015 تواجه صعوبات جمة في تمثيلها في العمليات الانتقالية ومباحثات إقرار السلام.
وإذا كانت التغييرات الناجمة عن "الربيع العربي" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد فتحت آفاقاً لإمكانية تعزيز المساواة، إلا أنها ولدت أيضاً مخاطر الارتكاس، إذ أن مشاركة المرأة في العملية الانتقالية في مصر مهددة بالعنف المستمر الذي يلاحق أية امرأة تحاول ممارسة حقها في المشاركة في الحياة العامة. وفي سوريا يترك النزاع المستمر أثره الخاص على النساء والفتيات الصغيرات، مما يزيد من استضعافهن ومن أعمال العنف القائمة على النوع الجنسي.
وقد حدثت ارتكاسات صارخة في مجال الحقوق الإنجابية والجنسية، فقد شددت الحكومات في 1995 على "الاعتراف وإعادة التوكيد الصريحة بأن حق جميع النساء في التحكم في كافة جوانب صحتهن، وخصوبتهن بوجه خاص، هو عنصر أساسي في تعزيز قدرتهن على العمل". ومع ذلك فإن التشريعات القمعية التي تجرم اللجوء إلى الإجهاض باقية في جميع القارات، مما يؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق المرأة. في 2014 أفلتت إسبانيا من إصلاح يستهدف التشدد في تقييد الوصول إلى الإجهاض. أما في تركيا فالإجهاض مباح منذ 1983، ومع ذلك فقد أعلن الرئيس بوضوح عن نية تقييد الوصول إليه. وفي نيكاراغوا والسلفادور وتشيلي وجمهورية الدومينيكان، يتم منع الإجهاض دون استثناء. وفي أيرلندا والسنغال وساحل العاج وبنغلاديش، تعمل قوانين شديدة التقييد على عدم السماح بالإجهاض إلا عند تعرض حياة المرأة للخطر. وفي بولندا تم تحريم الإجهاض منذ 1997 إلا في حالة الاغتصاب أو زنا المحارم أو تشوهات الأجنة أو الخطر على حياة الأم. ثم أن هذه التشريعات كلها تنطوي أيضاً على قيود إجرائية تمنع المرأة من اللجوء إلى الإجهاض عمليا، حتى في الحالات التي ينص عليها القانون. وتتعرض السيدات اللواتي تلجأن للإجهاض السري لمخاطر على الصحة، مميتة في بعض الأحيان، وأحكام بالسجن تصل في بعض البلدان إلى عدة عشرات من السنوات.
وليس هذا كله مجرد "تحديات جديدة" ظهرت في سياق النضال لمواجهة التمييز ضد المرأة، بل هي أخطار حقيقية تهدد حرية وحياة النساء والفتيات كل يوم. وكما ثبت من رفض البرلمان الأوروبي مؤخراً لتقرير "تسوبر" الذي يدعو الدول إلى ضمان المساواة بين النساء والرجال في سياق الأزمة الاقتصادية، وتقرير "إستريلا" المتعلق بالحقوق الإنجابية، فإن المبادرات غير الإلزامية لتعزيز حقوق المرأة، حتى في قلب المنظمات متعددة الأطراف التي تبدو هذه الحقوق فيها وكأنها مضمونة ظاهرياً، لا يتم تبنيها.
إن على الحكومات إبداء التزام حازم بإلغاء القوانين التمييزية المعمول بها حتى الآن. ولا يتعلق الأمر في معظم الأحوال بأكثر من التوافق مع الالتزامات الدولية التي صدقت عليها بالفعل.
أما المدافعات والمدافعين عن حقوق المرأة، الذين يمارسون النضال من أجل المساواة، فهم يدفعون لقاءه ثمناً باهظاً في كثير من الأحيان، بدليل التهديدات بالقتل، على سبيل المثال، التي تلقتها المناضلة الموريتانية أمينيتو بنت المختار، أو اغتيال المناضلتين الليبيتين سلوى بوقعيقيص وانتصار الحصيري والمناضلة الكونغولية كاسوكي دارسيز مؤخراً. ومن اللازم أن تتعهد الحكومات باتخاذ إجراءات عاجلة لضمان أمنهم والسماح لهم بممارسة عملهم دون خوف من الانتقام.