قاعدة البيانات وبحسب قرار مجلس حقوق الإنسان A / HRC / 31/36 قد تكون آليّة ناجحة للضغط على الجهات الفاعلة الحالية والكيانات التجارية والدول المستضيفة لها، من أجل الالتزام بمسئوليتها وواجباتها وفقًا للمبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان وفقا للقانون الدولي. الأمر الذي يستلزم أن تظلّ عملية تغذية قاعدة البيانات مستمرة ومتواصلة، بما يضمن وجود وثائق محدثة بانتظام للتعامل مع قضايا التورّط المباشر وغير المباشر في الأنشطة غير المشروعة. ومن ثم يجدر بالدول أن تدعم هذا المسعى وتنخرط بشكل بنّاء في إنشاء ومراجعة قاعدة البيانات، من أجل تحسين هذه الأداة التي من شأنها أن تساعد الحكومات والشركات وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في وقف الممارسات المتعارضة مع المعايير القانونية الدولية.
يلزم القرار A / HRC / 31/36 [1]مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان برصد وإعداد التقارير حول النشاط التجاري غير الحقوقي في المستوطنات بالأرض الفلسطينية المحتلة، ومشاركة هذه البيانات والتقارير مع الفريق المعني بقضايا حقوق الإنسان والشركات عبر الوطنية وغيرهما من الكيانات التجارية، وذلك من أجل ضمان تنفيذ وتيسير مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.
ينتظر أن يكون لقاعدة البيانات، حال توافرها، دورًا محوريًا في تعزيز الشفافية المؤسّسية للمستثمرين والمستهلكين عبر الحدود الوطنية، فضلاً عن تحصين دور الدول المستضيفة للأنشطة عبر الوطنية تجاه مواطنيها، من خلال اتّخاذ تدابير تنظيمية داخلية ملموسة تستند للقانون المحلي. كما تعتبر قاعدة البيانات خطوة ضرورية لتحجيم دور الكيانات التجارية في دعم الاستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة، فثمة مئات الشّركات الإسرائيلية والأجنبية التي شاركت على مدى سنوات في انتهاك القانون الدّولي وحقوق الإنسان في فلسطين بشكل مباشر وغير مباشر، فضلًا عن دورها في تحذير شّركات أخرى من عواقب الانخراط في مثل هذه الأنشطة التجارية في بيئة عمل مماثلة، وتوفير التوجيهات بشأن التدابير اللازم اتخذها امتثالًا للقانون الدولي في هذا الصدد.
هذا النّموذج لخدمات جمع المعلومات والإخطار، والذي تقدّمه قاعدة البيانات الأممية للحكومات والكيانات التجارية، يشكل تطورًا هامًا في الجهود الأكثر عمومية، لضمان مزيد من امتثال الكيانات التجارية للمتطلبات والمعايير القانونيّة في البيئات شديدة الخطورة، حيث تُرتكب انتهاكات حقوق الإنسان بشكل ممنهج، وعلى نطاق واسع.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن قاعدة البيانات المشار إليها، وإن كانت الأولى من نوعها، لكنها ليست أول مرجع يحدد الشركات والكيانات عبر الوطنية المرتكبة لانتهاكات القانون الدولي، فثمة مبادرات أممية شبيهة، كالإلية الخاصة بمركز الأمم المتحدة المعني بالمؤسسات عبر الوطنية، والتي تعمل على الرصد والإبلاغ عن الشركات العاملة في نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وكذلك لجنة الأمم المتحدة المعنية بنهب الموارد في جمهورية الكونغو الديمقراطية. [2] وقد خلصت التجربتان إلى أهمية ضمان أن تعمل مثل هذه الآليات في إطار معياري وإجرائي صلب وشفاف.
ومن ثم ينبغي أن تستفد قاعدة البيانات المتعلقة بالأعمال والكيانات التجارية في المستوطنات بالأرض الفلسطينية المحتلة من تلك التجارب، وعليها أن تخطر كلاً من المؤسسات التجارية ودولها المضيفة (في حالة الشركات الأجنبية) بإمكانية إدراجها في القائمة، وأن تتيح للشركات فرصة لمراجعة أو إنهاء النشاط المرتبط بالاعتداءات على حقوق الإنسان، واضعة إجراءات واضحة لرفع الأسماء من القائمة في فترة معقولة. وذلك لأجل تعزيز دعم الدول والشركات لقاعدة البيانات. كما ينبغي أن تضمن الأمم المتحدة أن تنعكس أية تغييرات في ممارسات العمل على قاعدة البيانات من خلال تحديثات منتظمة، على النّحو المنصوص عليه في قرار لجنة حقوق الإنسان رقم 31/36، علمًا بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانوا قد اعتمدوا مبادرات شبيهة تهدف لتعزيز الشفافية. [3]
كما ينتظر أن تُشرك آلية قاعدة البيانات الدّول والشركات في العمل باعتبارهم أدوات رقابية على الشفافية والامتثال. وتحقيقًا لهذه الغاية، يفترض أن تضمن آلية قاعدة البيانات أن المعلومات المتعلقة بالكيانات التجارية المتورطة في أعمال تجارية معادية لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة ترفع علنًا إلى مجلس حقوق الإنسان بشفافية، وفقًا لما يقتضيه القرار 31/36.
إن وصم عدد من الحكومات والمؤسسات الإعلامية لقاعدة البيانات بأنها “قائمة سوداء”، هو وصف عار تماما من الصحة، لأداة مبتكرة وتعاونية لمساعدة الحكومات والشركات على تعزيز الامتثال للمعايير القانونية الدولية، وتجنب المشاركة في الأنشطة المحظورة قانونًا في المستقبل.