في مواجهة أعمال الإرهاب، يحتاج ضمان الأمن للجميع إلى احترام الحريات على أكمل وجه ممكن، وإلى سياسات متماسكة

20/11/2015
البيانات الصحفية
ar en es fa fr ru

في الأيام الأخيرة تم ارتكاب أعمال إرهابية مروعة في مصر وتركيا وتونس ولبنان،وفرنسا، لتطال ضحايا مدنيين من جنسيات متعددة. وقد عبرت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والمنظمات الأعضاء بها، عن تأثرها البالغ، كما نددت بتلك الجرائم البربرية الجبانة، وقدمت العزاء لعائلات الضحايا. كما أنها حذرت في الوقت نفسه، متسلحة بدروس مؤسفة وعديدة ومستمدة من خبرة طويلة، من الآثار التي قد تكون سلبية للمزايدات الأمنية.

وشدد كريم لاهيجي، رئيس الفدرالية، على هذا المعنى قائلا: "حيثما تسيطر النزعة الأمنية على السياسة منذ 2001 فإن التعسف والتطرف، بل والجماعات الإرهابية نفسها، تأخذ في النمو. إن المتطرفين يتغذون على التعسف، ولا يمكن لأي زعيم ديمقراطي أن يزعم الجهل بهذا".

وبينما يخطو النشاط الإرهابي لداعش إلى مرحلة دولية جديدة، فإن الفدرالية تطلق مناشدة جدية للدول المعنية بأن تضمن الأمن لمواطنيها من خلال التشدد الصارم في احترام حقوق الإنسان، واتباع سياسات وطنية وعالمية متماسكة ومتسقة، لمكافحة هذا الوباء على نحو فعال.

إن مكافحة الإرهاب ضرورية لضمان الأمن للمواطنين، حيث أن الأمن نفسه من الحقوق الأساسية. ويمكن للعزيمة الصادقة أن تتجلى في أشكال عدة، من قبيل تعزيز الوسائل العملية لدعم تحركات قوى الأمن والاستخبارات، والتكامل فيما بين الأجهزة القضائية الدولية، و مكافحة تمويل الإرهاب. ومن شأن التوصيف القانوني المزدوج لأعمال الإرهاب، من حيث أنها جرائم دولية، وبوجه خاص جرائم ضد الإنسانية إذا اقتضى الأمر، أن يسمح أيضا بتقديم استجابة قضائية أكثر عالمية وتماسكا، تتفق مع الهجمات المنسقة ذات التخطيط المسبق، التي نتعرف اليوم على مداها ونشرع في إدراك منابعها.

وتبرهن لنا خبرات فاجعة على أن هذا النضال لا ينبغي له بحال من الأحوال أن يتخطى إطار دولة القانون، ولا ضمانات احترام حقوق الإنسان، اتفاقا مع المعايير الدولية. إن السياسات والتشريعات الاستثنائية التي سبق تبنيها، في رد فعل على أعمال إرهابية، قد أثبتت انعدام فعاليتها، فقد أدت في جميع الأحوال إلى انتهاكات، كانت في بعض الأحيان ممنهجة، مع إفلاتها من العقاب في الأغلب الأعم، انتهاكات للمبادئ التي يتبناها النظام المعني نفسه: عنصرية وتمييز يستندان إلى الأصل العرقي أو القومي، وإساءات، وتحييد للعدالة، وانتهاكات للحق في محاكمة عادلة، وتكميم لوسائل الإعلام والمجتمع المدني، وانتقاص جسيم من الحق في الحياة الخاصة وحرية التعبير، وتمييز تجاه المرأة، واحتجاز تعسفي، وتعذيب وإخفاء قسري، وعمليات إعدام خارج إجراءات القضاء، وتهجير لتجمعات سكانية ولاجئين.

وتشكل هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان الحياة اليومية لمجتمعات عديدة ومواطنين عديدين، استغل النظام خوفهم من الإرهاب لمصلحته السياسية. وفي أحيان كثيرة تستمر السياسات المهووسة بالأمن، المدفوعة بحالة الطوارئ و/أو باعتبارات انتخابية أو قصيرة النظر: فيتحول الاستثناء إلى قاعدة، ويصبح الترتيب الخاص عرفا ساريا، والمؤقت مستديما. وتعمل الانتهاكات الجسيمة التي تنطوي عليها هذه السياسات، في بلدان عديدة، على تغذية التصلب وانعدام التسامح، والتقوقع على الهوية، والعنصرية، بل روح الانتقام، التي تذكي بدورها نار الإرهاب. وقد انحرفت تلك السياسات عن أهدافها، في بلدان عديدة، بغرض تكميم أي معارضة سلمية. وتنبه الفدرالية إلى العواقب الكارثية للتوجهات الأمنية الخالصة، والتي تقود إلى التخلي عن العقل الجماعي، وتدعو القادة الذين تساورهم غواية هذه الإجراءات إلى التحلي بشجاعة مقاومتها.

إن عواقب قانون "باتريوت" الذي تبنته الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، أو القوانين مفرطة الأمنية التي تم تبنيها في روسيا ومصر والعديد من الدول الأخرى، تلقننا الدروس، فقد انتهت إلى تجريم أعمال منظمات المجتمع المدني وإلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بدليل التعسف في غوانتانامو وسجن أبو غريب ـ الانتهاكات التي شجبها في النهاية تقرير لمجلس الشيوخ الأمريكي في 2015، وأكد عدم مشروعية تلك الممارسات وانعدام فعاليتها: حيث أنها لم تحجم الإرهاب، بل قامت بتغذيته.

وقد شدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في قراره رقم 1456 (2203)، وفي قرارات لاحقة، على ضرورة أن تضمن الدول اتفاق ما تتخذه من إجراءات في سياق مكافحة الإرهاب مع التزاماتها الدولية، واحترام تلك الإجراءات لمعايير القانون الدولي، وبخاصة المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين والقانون الإنساني. وتقع على عاتق تلك الدول مسؤولية ضمان حماية الحريات، التي يحق للمجتمعات المدنية أن تطالب بها وأن تمارسها.

تشدد الفدرالية أيضا على أن مكافحة الإرهاب لا يجوز لها بحال من الأحوال أن تستند إلى نظم أو جماعات تمارس هي نفسها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بل تدعم التشدد الإسلامي وتدافع عنه. إن هذا الخيار يقف على النقيض التام من أهداف النضال ضد الإرهاب، فهو يعرض أمن العديد من المجتمعات والتجمعات السكانية المدنية للخطر، ناهيك عن توليد التطرف.

وبالمثل، تحذر الفدرالية القادة المعنيين من أي دعم لنظام بشار الأسد باسم مكافحة الإرهاب. وتذكّر الفدرالية بأن نظام دمشق هو المسؤول الأول عن النزاع السوري، بما في ذلك تطور داعش. كما تدعو الفدرالية الدول لأن تنأى بنفسها عن شبهة الدعم المباشر أو غير المباشر للأنظمة أو الجماعات المغذية للإرهاب. وكذلك تدعو الفدرالية الدول إلى إعادة النظر في تحركاتها الدبلوماسية مع دول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية وقطر، من أجل الدعم الذي تقدمانه إلى جماعات إسلامية أو إرهابية، وهو الدعم المعروف منذ وقت طويل. وينبغي في إعادة النظر هذه أن تشمل مبيعات الأسلحة ودعم نظم ترتكب من جهتها مخالفات جسيمة بحق مواطنيها والسكان المدنيين.

علاوة على هذا فإن التدخل العسكري باسم مكافحة الإرهاب، حتى ولو كان بتفويض دولي، لم يبرهن على فعاليته وقد أدى في أحيان كثيرة إلى مفاقمة الوضع الحقوقي في البلدان المعنية. إن الفدرالية ومنظماتها الأعضاء، وبوجه خاص منظمات دول المغرب العربي والشرق الأوسط، التي تواجه وجود الجماعات الإرهابية في بلدانها، تشدد على ضرورة أن تستند فعالية النضال ضد الإرهاب إلى دبلوماسية الحوار والسلام، وإلى دعم التكامل فيما بين دول القانون التي تحترم حقوق الإنسان، وإلى التعاون الطموح الذي يشمل تعزيز المنظمات المستقلة للمجتمع المدني، وجميع الأطراف الفاعلة في مجتمع تعددي ومتسامح.

وفي النهاية ترى الفدرالية أنه من اللازم تنفيذ سياسات وطنية واسعة النطاق لمكافحة التمييز وانعدام المساواة والوصمة الاجتماعية، اتباعا للاتفاقيات الدولية الموضوعة لحماية حقوق الإنسان. إن غياب مثل تلك الإجراءات لن يعمل إلا على تغذية التبرؤ من السياسات، وتشويه مصداقية المؤسسات الديمقراطية، والمساهمة في تصاعد التطرف.

أقرأ المزيد