المحكمة الجنائية الدولية ودارفور أسئلة وأجوبة

قررت الدائرة الإبتدائية للمحكمة الجنائية الدولية في 4مارس \ أذار إصدار مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية في حق رئيس جمهورية السودان \ عمر حسن البشير بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ويتبع هذا القرار الطلب المقدم من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية \ لويس مورينو أوكامبو الصادر في 14 يوليو,

1- ما هي المحكمة الجنائية الدولية؟ و ما الدول التي تؤيدها؟ ما هي العلاقة بين منظمة الأمم المتحدة والمحكمة؟

المحكمة الجنائية الدولية هيئة قضائية دولية دائمة أنشئت بناء على إتفاقية تهدف إلى محاكمة أفراد ارتكبوا جريمة الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب. وقد تمّ إعتماد ميثاقها التأسيسي في يوم 17 يوليو 1998 في مؤتمر دولي ودخل حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002.

بدأت المحكمة الجنائية الدولية بالعمل في العام 2003.

قد صادقت 108 دولة حتى الأن على الميثاق التأسيسي للمحكمة الجنائية الدولية.

لا تنتمي المحكمة الى منظمة الأمم المتحدة رغم منح ميثاقها التأسيسي بعض الصلاحيات لمجلس الأمن.

2- كيف يمكن رفع دعوى أمام المحكمة؟ وما هي إختصاصتها القضائية؟

• من حق أي دولة طرف، أي دولة صادقت على ميثاق المحكمة التأسيسي، أن تطلب من المحكمة فتح تحقيق في قضية معيّنة, وفي هذه الحالة يكون من حق المحكمة إجراء تحقيقات حول الجرائم المرتكبة في أراضي أي دولة عضو أو المرتكبة من أشخاص ينتمون لتلك الدول.
• يمكن أيضا لمجلس أمن الأمم المتحدة أن يطلب من المحكمة إجراء تحقيق في قضية معيّنة بناء على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة, وفي هذه الحالة لا يقتصر إختصاص المحكمة القضائية على الجرائم التي تمّ ارتكابها من قبل مواطني دولة طرف أو على أراضيها، بل تكون فعلا ولاية قضائية عالمية.
• يمكن للمدّعي العام، بمبادرة خاصة منه (باذن من القضاة)، أن يبادر بفتح تحقيقا- وفي هذه الحالة تقتصر ولاية المحكمة القضائية على الجرائم التي تمّ ارتكابها من قبل مواطن دولة طرف أو على أراضي دولة طرف.
• أخيرا- يمكن لدولة لم تصادق على ميثاق روما التأسيسي أن تقبل بولاية المحكمة بصورة استثنائية اذا تعلّق الأمر بجرائم ارتكبت على أراضيها ومن أشخاص ينتمون إليها.

3- كيف بدأت المحكمة الجنائية الدولية التحقيق حول الجرائم المرتكبة في دارفور؟ وماذا كانت المراحل الرئيسية في هذه الإجراءات؟

قد رفع مجلس ألأمن في يوم 31 مارس 2005 دعوى أمام المحكمة اثر اعتماد القرار رقم 1593- بناء على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ( المتعلق بالتهديد للسلام والأمن الدوليين) وبموجب المادة 13 من الميثاق التأسيسي, يستند مجلس الأمن في هذا القرار على إستنتاجات لجنة تفتيش دولية تبيّنت خطورة الجرائم التي تمّ ارتكابها في دارفور وأوصت برفع شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وفي 6 يونيو 2005، أعلن لويس مورينو أوكامبو فتح تحقيق.

و أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 27 أبريل 2007، مذكّرتي توقيف ضد كل من أحمد هارون (وزير الداخلية السابق ووزير الشؤون الانسانية الحالي) وعلي قشيب (قائد الجنجويد). يتهم هذان الرجلان بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في الفترة خلال2003 ومارس 2004.

4- لم تصادق السودان على ميثاق روما التأسيسي. هل هي ملزمة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية؟

نعم. انّ قرار مجلس الأمن الصادر بإحالة الملف?ّ إلى المحكمة الجنائية الدولية يلزم السودان وكل الأطراف الأخرى في النزاع بالتعاون مع المحكمة.

لكن يظل تعاون السودان مع المحكمة شبه معدوما.

في ديسمبر 2007 ويونيو 2008، أدان المدعي العام للمحكمة غياب هذا التعاون في خطاب إلى مجلس الأمن , وبالتالي- في 16 يونيو 2008- اعتمدت رئاسة مجلس الأمن بيانا يذكّر السودان بواجبها نحو التعاون مع المحكمة ,كما أن قد طالبت منظمات أخرى مثل الإاتحاد الأوروبي من السودان أن تتعاون مع المحكمة وذلك من خلال إعتقال هارون وكشيب وتسليمهما الى المحكمة.

لم تبدي الحكومة أي جهود لإعتقال هارون وخشيب- بل أنها قامت بحمايتهما: فقد تمّ ترقية هارون لمنصب رئيسا مشاركا لاللجنة المكلّفة بالتحقيق في إنتهاكات حقوق الانسان في السودان كما أنه يعتبر في قلب تنظيم نشر البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي في السودان "يوناميد". أمّا كشيب، الذي كان معتقلا في السودان عند إصدار مذكرة التوقيف ضده، فقد أطلق سراحه على أيدي القضاء السوداني بسبب "عدم وجود أدلّة" ضده وهو يعيش حرا طليقا اليوم.

وقد أعلن لويس مورينو أوكامبو أكثر من مرة أن الحماية التي ينعم بها المشتبه بهما تثبت أن "كل جهاز الدولة السودانية" متورّط في ارتكاب الجرائم في دارفور.

5- هل يجب أن تترك المحكمة المؤسسات القضائية السودانية تتولّى هذه القضايا؟

تعتبر المحكمة هيئة مكملة للهيئات القضائية المحلية ولا تتحرّك إلا بعد أن تكون قد تأكدت من إفتقار المحاكم الوطنية القدرة أو الرغبة في إجراء التحقيقات أو/ومحاكمات اللازمة للنظر في الجرائم المعنية.

وقد وجد بالفعل المدعي العام والقضاة عدّة مرات أن السلطات السودانية تفتقر الرغبة أو/ القدرة على اجراء التحقيقات أو محاكمة الجرائم الدولية التي تقع في إختصاصات المحكمة الموضوعية.

رغم إنشاء الحكومة السودانية محكمة خاصة لمحاكمة المسؤولين المشتبه بهم عن أحداث دارفور، فقد كشفت تحقيقات المدعي العام وعدد من التقارير الدولية (لا سيما تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الغير الحكومية الدولية) أن هذه المحكمة لا تنظر ألا في بعض الملفات التي ليست لها علاقة بالجرائم الفادحة المرتكبة في دارفور منذ خمس سنوات. وقد واجهت هذه المحكمة الكثير من العقبات بما في ذلك انعدام الاستقلالية، مما يسلّط الضوء على غياب الرغبة السياسية لدى السلطات السودانية في أجراء التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بالجرائم الدولية.

6- هل تعتبر الخطوات التي تتخذها المحكمة تدخلا في الشؤون الداخلية أو انتهاكا لسيادة السودان؟

مبدأ السيادة الوطنية لا يزال له أهمية عظمى في القانون الدولي ومع ذلك فيتضمن القانون الدولي عدة إستثناءات لهذا المبدأ، لا سيما: عندما توافق دولة بنفسها على التنازل عن هذا المبدأ (من خلال المصادقة على اتفاقية كميثاق روما التأسيسي مثلا)، أو عندما يمثل وضع معين تهديدا للأمن والسلام الدوليين (وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة)، أو عندما لا تتحرّك دولة لحماية مواطنيها الذي يتعرّضون لجرائم دولية (وفقا لمبدأ مسؤولية الحماية الجديد). ومن ثم فقد صادقت السودان على الميثاق التأسيسي للاتحاد الأفريقي الذي ينص على "حق الاتحاد بالتدخل في دولة عضو ]... [ في بعض الظروف الخطرة، على غرار جرائم الحرب والابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية".

أما بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، فهي تستند في ولايتها القضائية الى ميثاقها التأسيسي الذي يخولها التحقيق في الجرائم الدولية وملاحقة مرتكبي هذه الجرائم في الدول التي لا تريد أو لا تستطيع القيام بذلك. وفي حالة دارفور، كما هو مفسّر أعلاه، ان مجلس أمن الأمم المتحدة هو الذي كلّف المحكمة بهذه المهمة. ويتعيّن على السودان، بصفتها دولة عضو في الأمم المتحدة، أن تحترم قرارات المجلس. وفي هذه الحالة الخاصة، نعني قرار تم اعتماده بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (وبالتالي فهو بطبيعته ملزم قانونيا)، اثر تبيّن انّ الوضع في دارفور يهدد الأمن والسلام الدوليين.

في كل الأحوال، لا يجوز أن تشكّل السيادة حجة يتم التذرّع بها لمواصلة ارتكاب أفظع الجرائم، بما في ذلك جريمة الابادة الجماعية.

7- ما هي آثار القرار الصادر عن القضاة في4 مارس2009 ؟

بتبع هذا القرار الطلب الذي تقدم به المدعي العام في 14 يوليو 2008 من أجل إصدار مذكرة توقيف ضد الرئيس السوداني عمر البشير. وبعد دراسة مفصلة للأدلة التي قدمها مكتب المدعي العام، قرر قضاة المحكمة أن يلبوا طلبه وأن يصدروا مذكرة توقيف ضد الرئيس السوداني لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية

8- وفقا لطلب المدعي العام في يوليو 2008 المقدم للمحكمة الجنائية الدولية, لقد ارتكب البشير جريمة الابادة الجماعية. ما هي الابادة الجماعية؟ وما الفرق بين الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب؟

ان الإبادة الجماعية هي القضاء الكلي أو الجزئي على مجموعة قومية أو عرقية أو دينية بهدف إبادتها. أما الجرائم ضد الانسانية، فهي أعمال (قتل، تعذيب، جريمم جنسية...) ترتكب في إطار هجوم معمّم ومنهجي ضد مدنيين (يمكن ارتكاب جريمة ضد الانسانية خلال النزاعات المسلحة وفي فترات السلام). وتشكل جرائم الحرب انتهاكات فادحة للقوانين والعادات التي تنطبق على النزاعات المسلحة (الدولية أو الداخلية).

ويتهم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البشير بأنه قام بالتخطيط والأمر للابادة الجماعية (اغتيال أعضاء من مجموعات فور وماساليت والزغاوة العرقية، والمس بالسلامة العقلية لأعضاء هذه المجموعات، والاخضاع المتعمد لهذه المجموعات لظروف عيش تهدف على تدميرها جزئيا) والجرائم ضد الانسانية (بما في ذلك الاغتيال والابادة والتهجير القسري للسكان والاغتصاب والتعذيب) وجرائم الحرب (الاعتداءات التي تستهدف المدنيين وعمليات النهب) واصدار الأوامر بتنفيذها.

ووفقا للقرار الصادر فأن هناك "أسباب كافية للاعتقاد" أن البشير مسؤول عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بما في ذلك القتل والإغتصاب والتعذيب والنهب والهجمات علي المدنين والتهجير القسري, كما أن الدائرة الإبتدائية للمحكمةقد أعربت الجنائية أن المدعي العام لم يقدم أساس معقول يؤكد وجود قصد للقضاء- بشكل جزئي أو كلي- على المجموعات الإثنية بما يشكل جريمة الإبادة الجماعية, وقد يقدم المدعي العام معلومات إضافية في وقت لاحق,

9- هل يمكن للمحكمة أن تلاحق رئيس دولة، حتى وهو لا يزال في سدة الحكم؟

نعم, فوفقا للمادة رقم 27 من الميثاق التأسيسي للمحكمة، ينطبق هذا النظام على الجميع على قدم المساواة، من دون التمييز على أساس المنصب الرسمي. ولا يمكن التذرع بمنصب رئيس الدولة بصورة خاصة لإعفائه من مسؤوليته الجنائية.

يستتند هذا المبدأ الى الفكرة التالية: ما من حصانة لأكثر الجرائم خطورة.
وقد تمت ملاحقة رؤساء سابقين وفقا لهذا المبدأ: فقد مثل الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش أمام المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة بسبب ارتكابه جرائم خلال حرب البلقان، أما رئيس ليبيريا السابق شارلز تايلور فهو يحاكم حاليا من قبل المحكمة الخاصة بسييرا ليون للدورالذي اضطلع به خلال نزاع سييرا ليون.

ويجب تطبيق هذا المبدأ على المستوى الداخلي أيضا- فبالتالي، من شأن رئيس تشاد السابق حسين حبري أن يلاحق في السينيغال بسبب جرائم ارتكبها عندما كان لا يزال رئيس دولة تشاد.

10- لماذا البشير هو المسؤول عن الجرائم المرتكبة في إطار نزاع دارفور؟

خلال السنوات الخمسة الماضية، كان عمر البشير رئيس جمهورية السودان وقائد القوات المسلحة ورئيس حزب المؤتمر الوطني. وترأس أيضا عملية تجنيد ميليشيا الجنجويد وتسليحها من أعلى قمة في الدولة. وبذلك، مارس البشير سلطة مطلقة على مؤسسات الدولة.

خلال هذه السنوات الخمس، نفى وجود هذه الجرائم –وقد وصف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية نفي الجرائم واخفاءها وإلقاء المسؤولية على الآخرين من خصائص التتخطيط لهذا النوع من الجرائم وإرتكابها.

بصفته رئيسا وقائدا للقوات المسلحة في السودان، يتهم البشير بالأمر بارتكاب أكثر الجرائم شناعة والتخطيط لها وتشجيعها

ووفقا للقرار الصادر فأن هناك "أسباب كافية للاعتقاد" أن البشير مسؤول عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بما في ذلك القتل والإغتصاب والتعذيب والنهب والهجمات علي المدنين والتهجير القسري, كما أن الدائرة الإبتدائية للمحكمةقد أعربت الجنائية أن المدعي العام لم يقدم أساس معقول يؤكد وجود قصد للقضاء- بشكل جزئي أو كلي- على المجموعات الإثنية بما يشكل جريمة الإبادة الجماعية, وقد يقدم المدعي العام معلومات إضافية في وقت لاحق,

11- ألا يطبق المدعي العام والمحكمة سياسة الكيل بمكيالين حيال دول افريقيا والشرق الأوسط؟ لماذا يهتمان بدارفور وبالبشير ولا يكترثان للنزاع الاسرئيلي الفلسطيني ومسؤولية أولمرت أو للأعمال التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأميركية في إطار حرب العراق أو الحرب على الارهاب (غوانتانامو)؟

لا يمكن للمحكمة أن تحقق في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني أو حتى في حرب العراق، اذ انّ اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لم تصادقا على الميثاق التأسيسي للمحكمة. صحيح أن السودان ليست عضوا طرفا في المحكمة، غير أن ولاية المحكمة القضائية في هذه الحالة مستخرجة من القرار 1593 لمجلس الأمن الذي اعتمد بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لأن هذا النزاع يهدد السلام والأمن الدوليين.

تنتقد المنظمات الغير الحكومية الدولية، لا سيما تلك التي تجتمع في إطار التحالف الدولي من أجل المحكمة الجنائية الدولية، هذا الوضع وتشن حملات من أجل مصادقة أكبر عدد من الدول على ميثاق المحكمة التأسيسي. ومن شأن الدول والمؤسسات الدولية أن تمارس أيضا الضغوط لكي تتمتع المحكمة بولاية قضائية عالمية حقيقية.

لقد زاد قرار المدعي العام للمحكمة بملاحقة الرئيس السوداني من الانطباع بانحياز هذه المؤسسة. غير أن أية قراءة موضوعية للوضع تكفي للقضاء على بعض الحجج التي تزعم أن المحكمة "تطارد" افريقيا "والدول الأكثر فقرا في الجنوب".

أولا يجب الاشارة الى أن الدول الافريقية تشكل اليوم حوالى ثلثي الدول الأطراف في المحكمة، وأنها تعترف وتقبل بولاية المحكمة القضائية على أراضيها أو على رعاياها.

ثانيا، ان ثلاثة من أربعة دول أحيل الوضع فيها الى المحكمة رفعت شكوى بنفسها أمام المحكمة لأنها كانت قد صادقت على النظام الأساسي وقبلت بذلك بولايتها القضائية. وقد طلبت هذه الدول من المدعي العام أن يجري تحقيقا في الجرائم الرتكبة على أراضيها، معترفة بذلك بعجزها عن اجراء هذا الحقيق على أكمل وجه وملاحقة المجرمين.

في ما يتعلق بالوضع في دارفور، يبرر تدخل مجلس الأمن بالوضع المتفاقم في هذه المنطقة السودانية منذ 2003 التي شهدت أكثر من مليوني نازح ومئات الآلاف من ضحايا جرائم دولية، مما يهدّد السلام والأمن في المنطقة.

وأخيرًا، تشكّل خطورة الجرائم مفعيارًا حاسمًا لفتح تحقيق من قبل المحكمة الجنائية. وتسمح عدّة تقارير دولية بالقول بأن جرائم من أخطر ما يكون ارتكفبت بصفة منهجية قي هذه البلدان الأربعة.

12- لا تستهدف مذكّرات توقيف المحكمة الجنائية المتمرّدين، بل تستهدف فقط ميليشيات الجنجويد والحكومة. هل يعني هذا أن أسلوبَ المدّعي العام غير متوازن؟
ان المحكمة الجنائية الدولية هيئة قضائية ولا تخضع لاعتبارات سياسية. وتستند تحقيقاتها وإجراءاتها الى ادلة يجمعها محقّقو مكتب المدّعي العام، ويمكن أن تستهدف أيًّا من طرفي النزاع.
في يومنا هذا، صدرت مذكّرات توقيف لا تستهدف سوى طرف واحد من النزاع. ولكن المدّعي العام طلب في نوفمبر 2008 اصدار مذكّرات توقيف ضدّ زعماء المتمرّدين المسؤولين عن جرائم ارتكبت خلال الاعتداء على قوّات حفظ السلام للاتّحاد الأفريقي في حسكانيتا في سبتمبر 2007. يجب إذا على قضاة المحكمة أن يتخذوا قرارا في الوقت المناسب بشأن اصدار مذكرات توقيف ضد المسؤولين عن المتمردين.
13- هل يمكن لمذكرة التوقيف التي صدرت بحق البشير أن تقوّض عملية السلام في دارفور؟ ما أثر هذه الخطوة عى النزاع في دارفور؟
تقع عملية السلام في دارفور في المقام الأول على عاتق الحكومة السودانية. وينبغي أن تحظى بدعم المجتمع الدولي الذي، من أجل المساهمة في اعادة ارساء السلام عبر تحديد المسؤولية الجنائية للجرائم التي تم ارتكابها، رفعت شكوى أمام المحكمة.
وقد تم ابطاء عملية السلام منذ وقت طويل لأسباب لا تمت الى المحكمة بصلة وبسبب نقص الارادة السياسية لدى الأطراف. منذ خمس سنوات، ينفي البشير حدة الجرائم المرتكبة في دارفور ويصعّب وصول المنظمات الانسانية الى الضحايا ويعيق انتشار قوات حفظ السلام. وحتى اليوم، لم يشارك بعد في المفاوضات من أجل السلام في دارفور.
من الصعب اذا أن نقول إن مذكرة التوقيف بحق البشير ستؤثر سلبيا على عملية السلام. على العكس، يمكن لمذكرة التوقيف هذه أن تساهم في ارساء السلام في دارفور، اذ انها ستكشف وتعاقب بصورة مناسبة المسؤولية الجنائية الفردية في الجرائم التي تم ارتكابها من أجل تفادي التكرار. وقد تساهم أيضا في ابعاد البشير عن عملية السلام مما يسهل تطبيق اتفاقات السلام على المدى الطويل كما كانت الحال بعد اصدار مذكرة توقيف دولية ضد رئيس ليبيريا السابق شارلز تايلور.
في الواقع، لقد أثبت التاريخ أن محاسبة كبار المسؤولين السياسيين على مسؤوليتهم الجنائية من شأنها أن تساهم بطريقة فعالة في ارساء وتعزيز السلام والاستقرار. على سبيل المثال، ساهمت كل من محاكمة شارلز تايلور وسلوبودان ميلوسيفيتش، وهو الرئيس السابق لجمهورية يوغوسلافيا الفديرالية، في كشف الملابسات عن الجرائم الجماعية التي ارتكبت في هاتين الدولتين وعن دور الرجلين في تخطيط هذه الجرائم وتنفيذها، مما عزّز تنفيذ عملية سلام دائمة.
14- هل يمكن لمجلس الأمن أن "يعلق" تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية ومحاكماتها؟
نعم. تخوّل المادة 16 من نظام روما الأساسي مجلس الأمن أن يطلب من المحكمة تعليق تحقيق أو ملاحقات لعام واحد (قابل للتجديد)، اذا ما اعتبر ان الاجراءات التي تعتمدها المحكمة تمسّ بالسلم والأمن الدوليين.
ويجب التشديد على أننا لا نتحدّث هنا عن انهاء الاجراءات ولكن تعليقها لمدة محدودة. ولا يمكن لأي دولة أو مؤسسة أن تطلب من المحكمة انهاء التحقيقات أو الملاحقات.
عندما تقدم المدعي العام بطلبه في يوليو، اتخذت جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي تدابيرها وطلبت من مجلس الأمن تعليق التحقيقات والملاحقات بموجب المادة 16. غير أن المسألة لم تناقش رسميا في المجلس، اذ ان المواقف كانت متفاوتة. فبالنسبة لبعض الدول، يمثل الابقاء على الاجراءات أمام المحكمة الجنائية الدولية تدبيرا ضروريا للسعي الى السلام في السودان. وفي هذا الاطار، أعلنت الادارة الاميركية الجديدة مؤخرا أنها لا ترى ما يدعو الى دعم تعليق التحقيقات أو الملاحقات.
15- ما هي مسؤولية الدول والمنظمات الدولية ازاء التدابير التي تتخذها المحكمة؟
أولا، يجب على الدول والمنظمات الدولية الأخرى أن تحترم استقلالية المحكمة.
ويتعين على الدول الأطراف في نظام روما الأساسي أن تتعاون مع المحكمة ( الفصل التاسع من الميثاق التأسيسي).
ويفترض هذا التعاون اجراءات ملموسة كاعتقال المشتبه بهم وتسليمهم وتقديم الدعم في الحصول على المعلومات وحماية الشهود وتجميد الأصول وحجزها، فضلا عن الدعم السياسي للمحكمة في اطار العلاقات الثنائية بين الدول وفي اطار نشاطات المنظمات الدولية والاقليمية.
16- ما هي مسؤولية الدول والمنظمات الدولية ازاء الجوانب الأخرى للنزاع في دارفور؟
يتعين على الأسرة الدولية أن تسعى الى وضع حدّ للنزاع في دارفور والى حماية السكان وقوات البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقية المنتشرة في المنطقة.
يجب أيضا اعتماد تدابير تهدف الى دعم العملية السياسية في دارفور من أجل توطيد السلام الدائم.
17- كيف يمكن للمحكمة أن تنفذ مذكرة توقيف اذا كانت لا تتمتّع بقوة شرطية؟ من هو المسؤول عن تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة؟ أليس من الوهمي أن نتصور أن السودان سينفذ مذكرة التوقيف ضد رئيسه؟ هل سيتمكن البشير من الاف?لات من القضاء؟
يقع على عاتق الدول الأطراف في المحكمة أن تنفذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة وكما هو مفسّر أعلاه، ان السودان ملزم أيضا بالتعاون مع الحكمة، بما في ذلك عبر تنفيذ مذكرات التوقيف المتعلقة بتحقيق المحكمة في دارفور.
في حالة قضية دارفور جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملزمة أن تتعاون مع المحكمة لتفعيل تحقيقاتها وملاحقتها (بما في ذلك القبض وتسليم الأشخاص المطلوبين للمحاكمة) وذلك نظرا لقرار مجلس الأمن بإحالة القضية للمحكمة الجنائية الدولية وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة,
في حالة إعتبار دولة (غير السودان) أن التعاون في تسليم البشير إلى المحكمة قد يتعارض مع واجباتها أمام القانون الدولي (المادة 98.1 من ميثاق المحكمة) فهي ملزمة بإبلاغ المحكمة الجنائية الدولية بذلك وبمعارضة طلب التعاون
من المحتمل، في البداية على الأقل، ألا ينفذ السودان مذكرة التوقيف الصادرة بحق رئيسه. ولكن، يكفي أن يغادر البشير الأراضي السودانية وأن يذهب الى دولة أخرى (دولة طرف في المحكمة) لكي تلقي هذه الدولة القبض عليه على أراضيها وتسلّمه الى المحكمة الجنائية الدولية.

أقرأ المزيد