مصر: قمع صنع في فرنسا

يكشف تقرير جديد أنّ الدولة الفرنسية وعدّة شركات فرنسية شاركت في القمع الدموي في مصر خلال السنوات الخمس الماضية من خلال إمدادها نظام عبد الفتاح السيسي بمعدّات عسكرية وأجهزة مراقبة. فمن خلال تزويد أجهزة الأمن المصرية وأجهزة إنفاذ القانون بأدوات رقمية ذات قدرات عالية، فإنها ساعدت في التأسيس لبنية مراقبة وتحكّم استبدادية تُستغّل للقضاء على كلّ أشكال المعارضة ونشاط المواطنين. وفي مواجهة هذه الفضيحة الجديدة المتعلّقة بصادرات فرنسية للأسلحة وتكنولوجيا مزدوجة الاستخدام، فإن منظماتنا تسعى إلى إجراء تحقيق برلماني وتنشد وقفا فوريا لهذه الصادرات.

منذ الانقلاب العسكري الذي دبّره عبد الفتاح السيسي في تموز/يوليو 2013، تعيش مصر في خضّم بطش بلا هوادة، كما يبين ذلك سجّل قوات الأمن: تفريق مظاهرات بأدوات عسكرية (فضّ اعتصام رابعة العدوية يوم 14 آب/أغسطس 2013، حيث في القاهرة لوحدها حصد القمع أكثر من 1,000 قتيل)، وحبس ما لا يقل عن 60,000 سجين سياسي منذ 2013، وآلاف الإعدامات خارج نطاق القضاء وحالات الاختفاء القسري (من ضمنها 2,811 حالة اختفاء قسري على يد قوات الأمن بين تموز/يوليو 2013 وحزيران/يونيو 2016)، والاستخدام المنهجي للتعذيب، وارتفاع أعداد الأحكام بالإعدام.

ورغم إعلان مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في 21 آب/أغسطس 2013 بأن "الدول الأعضاء قرّرت تعليق تراخيص التصدير إلى مصر لأيّ معدات يمكن أن تستخدم في القمع الداخلي"، إلا أنّ ثمانية شركات فرنسية على الأقل - بتشجيع من الحكومات المتعاقبة - استفادت رغم ذلك من هذا القمع حاصدة أرباحا قياسية. فبين 2010 و2016 إرتفعت قيمة عمليات توريد الأسلحة الفرنسية لمصر من 39.6 مليون يورو إلى 1.3 مليار يورو.

"بينما يعلن المجلس الأوروبي عن وقف الصادرات العسكرية ومعدات المراقبة للتعبير عن شجبه للإنجراف نحو الدكتاتورية في مصر، ربحت فرنسا حصصا سوقية وسجلت أرقاما قياسيّة في الصادرات!" يقول ديمتريس خريستوبولوس، رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان.

بعض الشركات باعت أسلحة تقليدية لجيش مسؤول عن قتل مئات المدنيين بحجة "الحرب على الإرهاب"، بما في ذلك في سيناء: سفن ميسترال (Mistral) الحربية، وفرقاطات من طراز فريم (Fremm) من انتاج مجموعة DCNS، وزوارق حربية من طراز "غو ويند" (Gowind)، وطائرات رافال (Rafale) الحربية، وعربات مصفحة من طراز آركوس (Arquus)، و صواريخ ميكا (Mica) جو-جو، وصواريخ كروز من طراز SCLAP من انتاج شركة MBDA، وصواريخ 2ASM جو-أرض من شركة SAGEM.

شركات فرنسية أخرى باعت عربات مصفّحة (200 عربة من شركة رينو "Renault" للشاحنات الدفاعية بيعت بين عاميّ 2012 و2014) وآلات لتصنيع الخرطوش، من شركة مانورهين (Manurhin)، لقوات الشرطة التي لا تتوّرع في استخدام البنادق لتفريق المحتجين.

وأخيرا، فإن بعض الشركات الأخرى باعت للأجهزة الأمنية نظما تكنولوجية لمراقبة الأفراد (نظم AMESYS/NEXA/AM)، وللمراقبة الجماعية واعتراض البيانات (نظم SUNERIS/ERCOM)، ولجمع البيانات الشخصية (نظام IDEMIA)، وللسيطرة على الجماهير (طائرات بدون طيار لشركة "سافران" Safran، وقمرا صناعيا لشركتي AIRBUS/THALES، وعربات خفيفة التصفيح معدلة لتناسب الاستخدام في البيئة الحضرية من انتاج شركة "آركوس" (Arquus) - سابقا شركة "RTD"(. وبذلك فإن جميع هذه الشركات قد ساهمت في إنشاء بنية واسعة للمراقبة والسيطرة على الجماهير تهدف إلى قمع كل التحركات المعارضة والاجتماعية، وأدت إلى اعتقال عشرات الآلاف من المعارضين والنشطاء.

"في حين أن الثورة المصرية عام 2011 حرّكها ‘جيل الفيسبوك’ بالغ الموصولية بالانترنت، والذي عرف كيف يحشد الجماهير، فإن فرنسا اليوم تساعد في سحق هذا الجيل من خلال تأسيسها لنظام مراقبة وتحكّم استبدادي يهدف إلى قتل أيّ شكل من التعبير عن الاحتجاج في مهده"، يقول بهيّ الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.

إن منظماتنا تطالب الشركات والسلطات الفرنسية بالإنهاء الفوري لهذه الصادرات المميتة. وإضافة إلى ذلك، يجب على السلطات الفرنسية أن لا يقتصر دورها على إجراء تحقيق برلماني في شحنات الأسلحة إلى مصر منذ 2013، لكن أيضا القيام بمراجعة شاملة لنظام التحكّم الفرنسي بصادرات الأسلحة ومعدات المراقبة. ولتميزه بالغموض والاعتماد المفرط على الجهاز التنفيذي، فإن هذا النظام القاصر يسمح بتسليم معدات تساهم في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في مصر.

التقرير بالعربية:

أقرأ المزيد